لؤي ناصر

لؤي ناصر

كيف يفكر الحوثي تجاه مختلف ملفات الأزمة اليمنية

Saturday 29 July 2023 الساعة 09:28 am

ما يدور في فكر جماعة الحوثي أبعد بكثير عن التطلعات والأماني التي ينشدها شعبنا بمختلف قواه السياسية والحزبية والاجتماعية والعسكرية من سلام وأمن واستقرار وتعايش سلمي، فالجماعة أبعد ما يكون عن السلام، وهذا ليس من باب المزايدة. فمن يقترب منهم ويعرف ما يدور في أحاديث مشرفيهم وقياداتهم يدرك بأن كل المحاولات الإقليمية والأممية ليست سوى مضيعة للوقت واستنزافه لا أقل ولا أكثر.

الجماعة، ووفقاً لمخرجات دوراتها الطائفية وحشوها المستمر لعقول أتباعها، تؤكد لهم أن هذه المرحلة مرحلة استعداد، مرحلة بناء الذات والتجهيز للمعركة الكبرى، فطموحات الجماعة أكبر بكثير من التهام اليمن بجغرافيته شمالاً وجنوباً، بل الانطلاق إلى ما يسمونه توحيد الأمة تحت مشروع المسيرة وصولاً لتحرير بيت المقدس، وكل ذلك لن يتأتى إلا بالتسليم "الولاء المطلق والتبعية العمياء" لزعيم الجماعة. 

فما تروج له الجماعة وما تقوم به من أفعال على الأرض تؤكد أنها ما زالت تراهن على الحسم العسكري، فهو وسيلتها الوحيدة للبقاء، واستمرار الحرب لا شك مطلقاً بأنها كلمة السر في (ديمومة بقاء الجماعة) واستمرارها، ولهذا لن تقبل مطلقاً بانتهائها، ومهما حاولت إظهار قبولها بالتفاوض والحوار والمناقشات إلا أنها تفعل ذلك من باب إقناع المجتمع الدولي فقط بمرونتها وهو نوع من النفاق وكسب الوقت ليس إلا، وستعمل بل وهي تعمل فعلاً على تفخيخ كل محاولة للتقارب، ووضع العقدة تلو العقدة لعرقلة كل جهد قد يفضي إلى السلام.

وفي هذه المقالة سأتناول الغرض الحقيقي من مزايدة الجماعة بما يسمى الملف الإنساني، فوفقاً لمصادر مؤكدة من داخل الجماعة فإن تمسكها بهذا الملف وإصرارها عليه يحمل أسباباً عدة أهمها:

1- تدرك الجماعة أنها حرقت سياسياً ومجتمعياً ولهذا تصر على أن تتبنى عملية المطالبة بدفع الرواتب رغم اشتراطها (من عائدات النفط والغاز) ورفضها توريد ايرادات ميناء الحديدة والضرائب والجمارك من مختلف القطاعات الايرادية الواقعة تحت سلطتها، فالجماعة ترى بأن الشعب اذا ما تم صرف حقوقه فسوف يخف منسوب الاحتقان ضدها، ولهذا تحاول جاهدة تبني مسألة المطالبة بصرف الرواتب، ولا يمكن ان يغفل زعيم الجماعة وقاداتها الآخرون مناسبة الا وتحدثوا عن هذا البند بالاضافة الى فتح مطار صنعاء وموانئ الحديدة، ليصوروا للشعب بأنهم حماة حقوقه.

رغم أنهم يقولون في مجالسهم بأن الجماعة قادرة على صرف رواتب من بقى تحت سلطتها من موظفي الدولة، الا انها تقدم على ذلك بسبب ان هؤلاء الموظفين ليسوا (متبنين) نهج وفكر الجماعة وما زالوا يمثلون النظام السابق، بمعنى أنهم غير ذي جدوى أو موثوقية، ولهذا فرخت الجماعة الكثير من الهيئات والمؤسسات التي تقوم بأعمال الوزارات ووظفت في تلك الهيئات اتباعها ويتم صرف رواتبهم وحوافزهم اولا بأول، متعللين بأنهم يقومون باداء عمل جبار يفوق عمل الجهاز الاداري في وزارة ما من الوزارات الرسمية.

كما ترى الجماعة أن عملية صرفها لنصف مرتب كل خمسة أشهر للموظفين العموميين الغرض منه ايهام الموظف بأن الحكومة تهتم به وتشعره بأنه ما زال في جسم الدولة بصورة او بأخرى، وهذا وفقاً لحديث قياداتهم مجرد عملية تخدير، حتى تنتهي الحرب وتتمكن الجماعة أكثر وتتحصل على كل الايرادات وسيتم في نهاية المطاف الاستغناء عن الموظفين ومقاعدتهم وتدوير من تبقى منم الى مصانع وشركات خاصة استثمارية لحساب الجماعة وقياداتها، واستبدال الكادر الاداري للدولة بكادر موال للجماعة ومؤمن بفكرها.

وبرغم ان هذه الفكر فكرة عقيمة الا ان هذا فعلا ما يتحدثون به ويريدون تطبيقه.

2- ترى الجماعة أن نجاحها في الملف الإنساني هو وسيلتها لتجميل وجهها القبيح، ولا يمكن أن تنطلق بعد ذلك إلى مناقشة أي ملف آخر، حتى تتمكن من ترميم سمعتها والبدء في مرحلة بناء واستقرار وتنمية كما يردد ذلك كثير من نخب الجماعة، ليثبتوا انهم دولة ويستعيدوا سمتعهم بذلك، واذا ما ناقشتهم عن أن التوقف عند هذا الملف فقط يعني ابقاء الوطن ممزقا واوصاله مقطعة يبادرون بالرد لا يهم، نبني الذي تحت يدنا فقط حتى نتثبت أكثر، ونستعد للسيطرة على ما هو خارج سيطرتنا الآن.

أما نظرتهم للحوار مع بقية المكونات، وتشكيل حكومة وطنية وكذلك موقفهم من الوحدة فلا شك أنهم يحملون فكرا وتوجها أسوأ مما يمكن تصوره، وهذا ما سأتطرق إليه في مقالات قادمة.