محمد عبده الشجاع
المعركة الأخيرة بين الكهف والوطن
لا شك أن عملية تصفية الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، تعد واحدة من أبشع السيناريوهات التي لا يُقْدم عليها ولا يتبناها إلا فصيل متطرف، جُبل على الدم والضغينة والممارسات اللا أخلاقية؛ وهي نتيجة طبيعية تعكس المخططات والروايات التي تستند عليها هذه الفصائل للوصول إلى أهدافها حتى على حساب الحياة نفسها.
لقد شكلت معركة “الثنية” في قلب صنعاء، عقب إعلان الانتفاضة في 2 ديسمبر، صورة واضحة للنزق الذي تتبعه المليشيا الإرهابية للحصول على مكاسب جديدة؛ تحفز بها المناصرين والمتأثرين بسرديتها السياسية والتاريخية، القائمة على التدليس والكذب والخرافة، وتزييف الوقائع والأحداث، والنيل من الرموز وحتى المقدسات والثوابت.
تلك الممارسات تأتي في سياق التهيئة من قبل هذا الفصيل الذي صعد إلى تلال السلطة، عبر منعطفات، راهنَ عليها لمنح المشروع مبرراته الكافية واستغفال العوام، وطي مراحل من التاريخ بكل تفاصيله الدقيقة وإحلال ممكنات دون عمل اعتبار للجوهر ومحور الحياة وهو الإنسان نفسه.
لذا فإن المعارك التي تدار اليوم ويتحول أبطالها إلى شواهد قبور بمساحات واسعة، في تعز وإب وذمار وصنعاء وصعدة وعمران وحجة، ما هي إلا اتكاء على معطيات؛ تحاول تسويقها عبر الدين والسيادة والمَحاور المقاوِمة، وتطعيمها بسياقات تاريخية تشكل معضلة كبيرة لحركة الحياة والتقدم، وإمعان النظر في المستقبل بما يخدم الفكر النير والرؤى الناضجة والعلوم وما يهم الإنسان.
حتى وهي تحاول رسم صورة ثورية تلامس العروبة، تطعن في خاصرة الفكرة القائمة على رفض التبعية ومقاومة المستعمر، وتحاول استغلال التناقضات التي وجدت في مسار العلاقات العربية العربية؛ لتوجيه الأنظار نحوها بصورة تفتقر لأدنى درجات المصداقية، على الأقل هناك خلل كبير في منظومة الحقوق في الداخل وممارسات بشعة، فكيف لسلطة كهذه أن تكون مع القضايا العربية وهي تهتك المواطنة المتساوية وتنكل وتنهب قوت شعبها.
جماعة الحوثي هي من دفعت صالح إلى المواجهة بالبندقية بدل الديمقراطية والشورى، بعد أن أدركت صلابة الرجل فيما يخص الأمن القومي اليمني، فصالح صاحب مشروع سياسي وطني، كان يرى أن الحفاظ على المكاسب لن يتم بالتصعيد الداخلي وأن الشاطر هو من سيكسب المعركة بالعقل والتنمية ويدير البلاد.
الحوثيون كانوا وما زالوا ينفذون أجندة إقليمية ولديهم مشروع طائفي عقائدي ليس له أي علاقة باليمنيين، لذا فإن معركة الثنية بدأت منذ سنوات، وإذا ما عدنا قليلا سنجد أن صالح سبق وأن اعتقل خلال الحروب الستة معظم هؤلاء المراهقين من عبد الملك، أبو علي الحاكم، محمد علي الحوثي، وغيرهم العشرات بالقانون، لكنه تعامل كرئيس دولة ولو كان قائد عصابة ما تركهم إلا جثثا هامدة.
صالح رجل سلام ويعرف تمامًا أن أي معركة سواء كانت صغيرة أم كبيرة؛ واسعة أم محدودة؛ ستؤدي إلى الخراب وإلى ضحايا وخسائر في الأرواح والممتلكات والبنى التحتية، لذلك كان حريصا كل الحرص ألا يدون اسمه في خانة الديكتاتوريين والقتلة.
وقع الاتفاقية على مواجهة العدوان الخارجي لكنهم كانوا يتربصون به لأنهم يدركون تماما أن نهب الوطن ومقدراته وتركيع الناس ومحاربتهم في لقمة عيشهم وكرامتهم وحريتهم ومعتقداتهم لن يتم لهم ذلك ما لم يزيحوه عن طريقهم وهناك، من أعطى الضوء الأخضر لاستكمال مشروع المنطقة الجديد على حساب جموع الشعب وحزب المؤتمر الشعبي العام ورئيسه وأمينه العام عارف الزوكا.
إن عقلية بحجم الحوثي وهو يتعامل مع سفينة وطاقمها بعد أن تم نهبها من عرض البحر، لا يمكن التعاطي معها مطلقا، عقلية غوغائية قائمة على الفوضى والعواطف، ربما نجح في هذه المسرحية على اعتبار أن الإنسان العربي يعشق الشعارات، ولديه حساسية مختلفة مع القضية الفلسطينية، لكنه للأسف يقدس الجهلة، بدليل ما يحدث اليوم مع عبد الملك الحوثي الذي يظهر منتشيًا وهو يخطب ويحفز المناصرين لمواصلة مسيرة القتال ضد اليمنيين أنفسهم ويمارس شكلًا سيئًا من أشكال الألوهية من داخل الكهف.
لذا تعتبر معركة الثنية هي المعركة الأخيرة بين الكهف والوطن، والتي لا تزال تمدنا بصداها من أجل مواصلة النضال ومواجهة هذا الفكر الدخيل على بلد معتق مثل اليمن، تنهش أكباده المشاريع الطائفية والخرافة من أجل تمرير مسميات وروايات ليس لها علاقة بمستقبل الأجيال.