د. صادق القاضي
تهنئة اليدومي للسيسي: هل هي موقفٌ أم دور؟!
بخلاف ما يراه بعضهم.. لم تسبب التهنئة "الحارة" التي وجهها رئيس جماعة "التجمع اليمني للإصلاح" العقيد "محمد اليدومي" للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، بمناسبة فوزه الانتخابي مؤخراً بولاية رئاسية جديدة.. "مفاجأة صادمة انطوت على الكثير من الغضب والإحراج" لدى أتباع هذا الفرع اليمني للتنظيم الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين".
أتباع هذه الجماعة الدولية لا يشعرون بأي غضب من أي تصريح يصدر عن قياداتهم، مهما كان غريبا أو مختلفا مع "التعميمات" السابقة، كونهم تربوا على اعتبار الازدواجية والتناقض، بل الكذب والنفاق، نوعا من "التقية" والدهاء السياسي، وربما يشعرون أحيانا ببعض الحرج في كيفية تبريره للآخرين، وفي حال عجزوا عن التبرير يمكنهم ببساطة القول إنه رأي فردي، وربما أضاف بعضهم إليه بعض الشتائم.!
فقط، من لا يعرف هذه الجماعة، هو الذي سيشعر بالمفارقة في تهنئة زعيمها للسيسي، كون "الرئيس السيسي" يمثل -بالنسبة لهذا التنظيم الدولي- بكل فروعه، ولأسباب معروفة: العدو الأول، و"الشيطان الأكبر" الذي لم تتوقف مختلف وسائل أعلام هذه الجماعة من عام 2013، عن رميه بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبالذات منذ بداية الحرب الإسرائيلية الراهنة على غزة.
كما أن هذا التنظيم يعتبر السيسي شخصية انقلابية، ولا شرعية له، بينما تهنئة اليدومي تعترف له بشرعية ديمقراطية انتخابية! وأكثر من ذلك اعتبر اليدومي أن هذا الفوز يمثل: "تحقيقا لتطلعات الشعب المصري الشقيق وحماية لمكتسباته، ويأتي "في ظل الظروف الصعبة والتحولات الجارية التي تمر بها أمتنا العربية، ودولنا وشعوبنا، حيث تضطلع مصر بدور محوري ومؤثر رئيسي في المنطقة".!
بيد أننا هنا لسنا أمام نموذج لتمرد وخروج عن فكر الطاعة والولاء والبراء للجماعة، بقدر ما نحن أمام ظاهرة إخوانية خاصة تتجاوز مجرد الازدواجية والتناقض والنفاق التقليدي، وإن كانت مألوفة مقبولة لدى القطعان التابعة لهذه الجماعة، سواءٌ في اليمن، أو في غيرها من البلدان المنخورة بهذا النوع الخطر من الإسلام السياسي.
نحن هنا أمام متاهة أكثر تعقيداً من متاهة "المينوتور" في الأساطير اليونانية، متاهة خطرة قاتلة ومتشعبة بلا حدود، في هذه الجماعة: أتباع للسعودية، وفيها أتباع لقطر، فيها أتباع لتركيا، وفيها أتباع لأمريكا، وفيها أتباع لإيران. داخل مصر نفسها جناح إخواني تابع للرئيس السيسي، وبين عرب 48 في الأرض المحتلة فرع للإخوان تابع لإسرائيل.!
بل إن هذه الظاهرة أكثر إشكالية على مستوى الفروع المحلية. حيث يتم "توزيع الأدوار" بشكل مدروس، بين أجنحة موجهة جيدا: هناك أجنحة ليبرالية وهناك أجنحة تكفيرية، هناك أجنحة مسلحة إرهابية، وهناك أجنحة مدنية مسالمة، أجنحة قبلية وأجنحة عسكرية، أجنحة يسارية، وأجنحة وهابية.. وربما. كما أنهم - كتوقع بعضهم- قد اخترقوا حتى الأوساط المثلية.!
وبالتالي: لا غرابة في أن هذه الجماعة لا تقول الشيء ونقيضه فقط، بل يمكن أن يكون لديها في الوقت نفسه جملة مواقف متعارضة تماما. بعدد الأدوار التي تقتضيها براجماتيتها العالية، ومن المؤكد أن تهنئة اليدومي للسيسي وراءها هدف سياسي آني، رأى أنه يخدم الجماعة بشكل أو بآخر. لكنه ليس موقفا مبدئيا بالتأكيد.
اليدومي نفسه يقول الشيء ثم يقول نقيضه في وقت آخر، بل يقول الشيء، وفي نفس الوقت يوجه أتباعه لقول الشيء النقيض، كما في مواقف كثيرة تتعلق على سبيل المثال بالإمارات والسعودية في السنوات الماضية. وحسب تعبير السيدة "توكل كرمان" في تعليقها على هذه التهنئة بالقول: إن اليدومي: "منافق... هذا هو الوصف الذي ينطبق عليه، يضاف إليه.. إفلاس أخلاقي وغباء سياسي مطلق".!
لكن، حتى هذا الهجاء المقذع من قبل توكل كرمان لليدومي، لا يعني بالضرورة وجود صراع داخل جماعة الإخوان في اليمن.. فهي زعيمة جناح متلبس بالليبرالية، كما هو زعيم جناح سياسي تقليدي، وهناك زعماء لأجنحة أخرى، كالزنداني للجناح الأصولي، وفي الجناح القبلي حميد الأحمر، الذي هجته توكل قبل سنوات بشكل مقذع أكثر. ثم، كالعادة، يلتقي زعماء الأجنحة في الظروف الجادة تحت مظلة انتهازية أصولية وصولية واحدة.