ليس جديداً أن يخرج الحوثي بفيديوهات مسجلة لبعض أبناء الساحل الغربي يتهمهم بأنهم جواسيس وعملاء، حسب زعمه. فالأمر متعلق بمنهجية للتقسيم الشامل للمجتمع في الشمال وفي المناطق التي يسيطر عليها بالحديد والنار، الخوف والرعب خلقا هذه المنهجية التي قسّمت المجتمع إلى طبقات متفاوتة ليس بحسب المناطقية والطائفية وحسب، بل أيضاً بحسب الاتهامات ونوع التهمة وجسامتها.
التقسيم بحسب الاتهامات ونوعها أصبح رائجاً في الفترة الأخيرة، وأصبح أكثر ديناميكية في لفت الرأي العام وإشغاله بأمور يظهر الحوثي فيها بأنه صانع انتصار عجيب، ولكن وبحسب هذا التقسيم نجد أن المجتمع في الشمال أصبح مجزأً ومصنفا ومقيدا بهذه التصنيفات في تعامله وسلوكه، فجزء من المجتمع عميل والبعض خائن، والبعض جاسوس، والبعض منافق، والبعض مندس، والبعض مرتزق، والبعض طابور خامس، والبعض عفاشي، والبعض جنوبي، والبعض ماربي، والبعض داعشي، وهكذا سردية من التقسيم الوظيفي للمجتمع في زمن الحكم الحوثي.
لم يكن هناك في أي مرحلة من مراحل الحرب التي يشنها على المجتمع، نظرة شاملة من زاوية وطنية ينطلق منها الحوثي في تعامله مع المجتمع، فمنذ البداية يتخذ سلوكاً مغايراً للوحدة الوطنية، واللُّحمة الاجتماعية، وهذا يبرهن أن التخوفات الدائمة من ردة الفعل الشعبي على سلطته في كل مناطق الشمال مؤرقة وحتمية وهي قادمة لا محالة، لكنه بهذه التقسيمات يؤجلها ويشتري الوقت لا غير.
يعتقد الحوثي أن تقسيم المجتمع بحسب الاتهامات سوف ينشر ويدب الخوف بين الناس، وأن المجتمع سوف يستكين ويخضع للأمر الواقع ويسلم بشكل مطلق، هذا الاعتقاد دخان في صحراء عاتية رياحها القادمة، فالزمن لا يخدم الحوثي ولا مشروعه، قد تخدمه في الوقت الحالي بعض الظروف المحلية والإقليمية والدولية، ولكن الزمن مختلف تماماً والشعب أكثر وعياً وأكثر ادراكاً لمآلات سيطرة الحوثي وتثبيت ركائز حكمه في الشمال أو على اليمن ككل.
مهما حاول تقسيم المجتمع في أي مستوى من مستويات الطبقية أو العنصرية أو الطائفية، أو المناطقية، وآخرها التقسيم بحسب الاتهامات، لن يتمكن من زرع الخوف والرعب للسيطرة على المجتمع، بل إن تلك التقسيمات شاهد على قبح الفكر والانتماء والعمالة والخيانة التي قام بها وبجلبه للإيرانيين وإدخالهم صنعاء، فبتقسيمه هذا ماذا بقي له ليحكم، ماذا بقي من المجتمع فاضلاً في نظره... لا أحد سواه كما يتوهم.!