في سبتمبر 2022م قُتل أبو قصي الصنعاني أحد قيادات الحوثي ومسؤول الإمداد للقاعدة، في مواجهة القوات الجنوبية مع عناصر التنظيم الإرهابي في أبين، وقبله كشفت وثائق عن تعاون وثيق بين الحوثي والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، تمثل في الإفراج عن قيادات وعناصر القاعدة، وتنسيق الهجمات بينهما ضد قوات الانتقالي، والتعايش معاً دون مناوشات متبادلة، إلى حد رفع كل منهما راياته في مناطق مشتركة، على حد قول صحيفة “الديلي تلجراف” البريطانية.
ما كشفته الصحيفة اللندنية لا يظهر سراً، بل هو يعيد التذكير بواقع الجميع يعرف تفاصيله، حول تخادم بين طرفي الإرهاب، على ما بينهما من تباعد مذهبي إلا أن ما يوحدهما العداء للمجلس الانتقالي، ورغبة كل منهما تدمير مشروعه الخاص باستعادة الدولة الجنوبية.
ما يجمع القاعدة والحوثي هو الجنوب: الحوثي يسعى لبسط هيمنته على كل اليمن، والاستئثار بثروات الجنوب، والقاعدة ترى في الجنوب أهمية جيو سياسية، للتمدد في المناطق المحاذية لدول الخليج، وجعلها منصات انطلاق لتنفيذ عملياتها تحديداً في السعودية، التي تشترك مع الجنوب بحدود ممتدة رخوة وغير منضبطة، إضافة إلى اتجاه القاعدة بوضع موطئ قدم على الشريط الساحلي، بعد أن نجح الحوثي بمغامراته في جلب الأساطيل الأجنبية.
ومع أن الطرفين، القاعدة والحوثي، يعملان معاً لاستنزاف القوات الجنوبية، واحد بالتفجيرات والعبوات الناسفة والمفخخات، والثاني بتوسيع نطاق الحرب الحدودية، إلا أن اللافت في مسرح المواجهة أن القوات الجنوبية تتحمل منفردة عبء التصدي للطرفين، دون دعم من قبل قوات الشرعية، التي تعيش على خطوط تماسها حالة من التعايش وخفض التصعيد، تاركة الانتقالي يواجه حرباً متعددة الأطراف، ويدفع الأكلاف العالية من أفراده وقياداته.
الشراكة السياسية للانتقالي في الحكومة ومجلس القيادة، تستلزم بذات الوقت شراكة عسكرية بهذا القدر أو ذاك، وفعلا موحدا ودرجة من التنسيق في معركة التصدي لطرفي -الحوثي القاعدة-، يجمعهما الانتماء للتطرف.
صمت المكون الشرعي يثير لدى المراقبين أكثر من علامة استفهام، حول طبيعة العلاقة مع المجلس الانتقالي، وتعريف كل منهما لحزمة المخاطر، وتذهب الأسئلة بعيداً باتجاه البحث عما إذا كانت هناك مصلحة شرعية وإقليمية، في إضعاف الانتقالي عسكرياً، لتليين مواقفه ولتمرير التسوية، وإعادة رسم حجمه العسكري بالإضعاف الممنهج مع ما يتبع ذلك من تخفيض سقف مطالب الجنوب، من الانفصال الكامل إلى شكل ما من الكيان المنزوع عنه القوة والثروة والترابط الجغرافي.
إذا كان الحوثي والقاعدة يعملان معاً، ينسقان هجماتها ويضخ الحوثي السلاح بما فيها المسيرات التي سبق لها وأن هاجمت حقول نفط في شبوة، فإن الشرعية تتشاطر معهم هذا العداء بالصمت وتبريد الجبهات حيناً، وتوفير الملاذات الآمنة للقاعدة في المناطق المحسوبة عليها، كما هو حال الحشد الشعبي في تعز ومعسكر المطلوب بتهم الإرهاب أمجد خالد.
ما لم تدخل بكامل حضورها الأمني والعسكري، فإن هناك من سيصنِّف الشرعية أو طرفاً داخلها ومحسوباً عليها، بالرضا لحسابات سياسية، عن إرهاب يرمي بثقله جنوباً.
ومع ذلك دعونا نذهب إلى استنتاج أقل حدية وحسِن النوايا:
نأي الشرعية بنفسها عن المواجهة هو غياب قراء معمقة لمخاطر الإرهاب، وسوء تقدير موقف.
من صفحة الكاتب على إكس