في التاريخ الجنوبي المعاصر لحظات عجيبة يجب أن نتوقف أمامها دائماً حتى لا تتكرر مآسي الماضي.
السمة السائدة في تلك اللحظات العجيبة الغريبة هي أنها حاسمة بين مفترق طرق والمؤلم أنها تحسم السير دائماً نحو الطريق الصعب والوعر والمليء بالحفر، وتترك الطريق الآخر الذي تم تعبيده وتجهيزه ببطء، وتأنٍ وحسابات دقيقة.
لحظة تاريخ من ستينيات القرن الماضي:
بين مفترق طريقين:
الذهاب لدولة اتحادية جنوبية تندمج فيها الإمارات والسلطنات الجنوبية في إطار دولة اتحادية داخلياً وبهدوء تندمج مع العالم وتحصل على الاعتراف الدولي، تنتهج نهج الواقعية السياسية، والعقلنة، وتبتعد عن مد الثورية.
أو الذهاب إلى الطريق الثوري الصاخب، بالمد القومي واليساري، والسياسة الفتية، التي تقوم على معاداة كل الترتيب السابق، بوعي عدائي، للعقل السياسي الهادئ، والمرن، وقطيعة مطلقة مع التدرج، وحرق المراحل والواقعية السياسية، بالقوة الثورية والشعارات.
كل شيء كان ممهدا للسير في الطريق الأول، للوصول للهدف، لكن في لحظة مد عاطفي ثوري هائج، ذهب الوعي الجنوبي فجأة، لاختيار الطريق الثاني.
تحت تأثير العاطفة، التي غيبت العقل والسياسة، والثورية التي قالت لا للسياسة، لا للمراحل نعم للثورة وهيجان العواطف. نعم لسياسة مرحلة واحدة لا مراحل، خطوة واحدة لا خطوات.
النتيجة صحيح أنها واحدة.. دولة واحدة من باب المندب إلى المهرة.
لكن الطريق إليها لم يكن واحداً، كان أمام الوعي الجنوبي طريقان للوصول، وصول عن طريق ممهد محكوم بالعقلانية السياسية والواقعية، والمرحلية.
ووصول عن طريق، الثورية العاطفية الهائجة، التي لا تؤمن بالسياسة لا مع الداخل، ولا مع العالم، وإنما يقينها كله بالقوة الثورية، وبالسلاح وقوة السلاح.
الطريق الأول ثقيل لأنه محمل بالعقل وحساباته، وطويل بالمراحل التي يفرضها العقل والسياسة.
بطيء، لكنه فعال كما يقال.
والطريق الثاني خفيف بالعاطفة والأحلام الثورية وسريع بلا مراحل، والحسابات كلها فيه تدور حول قوة الثورة وسلاحها وشعاراتها.
خفيف وسريع، لكنه مدمر على المدى الطويل.
في تلك اللحظة المحملة بالعاطفة اختار الوعي العام الجنوبي الطريق الثاني وحدث ما حدث.
اليوم كأن المشهد يعيد نفسه، فهل يكرر الوعي الجنوبي ذات الخطأ؟
تدفع أطراف وجهات الوعي والعاطفة الجنوبية إلى طريق مجهول، يجرم فيه التسييس والعمل السياسي، وتشيطن فيه المراحل التي قطعها الجنوبيون أنفسهم بدمائهم ومعاناتهم وصبرهم، وتدعوهم مرة أخرى للثورة على أنفسهم وما أنجزوه كما فعلوا من قبل.
الشعوب تتعلم من دروس الماضي، وأظن أن شعبنا قد فهم الدرس الذي استمر سبعين عاماً من التيه.
ويبقى الوعي هو الفيصل بين العاطفة والعقل.
من صفحة الكاتب على إكس