الحوثي يعلن بأن السفير السعودي محمد آل جابر أبلغهم وقف القرارات الاقتصادية بشأن البنوك، فيما تصر الحكومة على المضي في تغييب الناس بعدم الإفصاح عن صحة تراجعها من عدمه، وجعل الشارع الذي يمور بالغضب والحيرة في حالة من اللا معرفة ويقين، وكأن هذا الشارع في ذيل اهتمامات الشرعية، مع أنه المستهدف رقم واحد من تلك الإجراءات.
إذا كانت الرئاسة تتعرض لضغوط تفوق قدرتها على مجابهتها، وهي حقاً كذلك، فلتحصِّن نفسها برفض شعبي واسع النطاق، يمنح عدم التراجع قوة دفع، فليس من الحكمة التعارض حد التصادم مع الإرادة الوطنية، التي ترى في القرارات المتخذة من البنك المركزي حقاً سيادياً، وإجبار البنك وهو المستقل بقوة القانون، على التراجع يُعد تنازلاً عن قرار سيادي، وبالتالي فإن السير خلف الضغط السعودي الأممي، يوقع الشرعية في حالة صدام مع شارع متحفز، ويفقدها إسناد هي في أمس الحاجة إليه، للاستقواء به في محطات الصراع القادمة ضد الحوثي، مشروعاً سلالياً أو مغامرات عسكرية قادمة.
نحن لا نشن حملاتنا ضد الشرعية حد التقاطع مع الحوثي، نحن نبحث عن قدرٍ من الشفافية والوضوح، لتعضيد موقف الشرعية وتحصينه، وهو خط لا يلتقي مع الحوثي، بل يحشد ضد خطابه المتغول ابتزازاً للداخل والجوار والمصالح الدولية.
نريد من الشرعية أن تضع الناس في صورة ما يحدث في الغرف المغلقة، أن تجعل المجتمع الذي تمثله على بينة من أمره، تُبسِط الصعاب وتضع الخيارات بين يديه، مجابهة للتحديات أو تماهيا معها.
من أخطر ما يمكن أن تقع فيه الشرعية وهي تغيب شارعها الوطني عمداً، أنها تخسر ورقة داعمة، وتستسلم لموجة الضغوط الإقليمية وما بعدها، بما يعنيه ذلك الخضوع لإكساب الحوثي انتصاراً سهلاً، بلا تنازلات مقابلة وبلا تضحيات.
كسبت الشرعية جولة ومعركة في قراراتها المصرفية، ولكنها إن لم تلذ إلى حواضنها تحتمي بالغضب الشعبي، وحالة الإسناد العام لقراراتها، فإنها ستخسر الحرب في الشقين المالي، والعسكري الذي يطرق الأبواب بقوة.
الناس لن تقف طويلاً في مفترق الطرق، وتحدث نفسها بالأحاجي الحكومية: لن تسقط القرارات، سقطت القرارات، تم تأجيل القرارات، ماضية القرارات نحو النفاذ، هذا الاضطراب الذي تضع الشرعية شعبها في حالة المراوحة والمنطقة المربكة المرتبكة سيرتد عليها، ومثل جيش وعِد بالنصر وحصد الهزيمة، سيلتف هذا الجيش، أي الشعب إلى الخلف، ويتحول بكل أدواته من تسييج الشرعية إلى تقويضها، بسحب التفويض منها، والبحث عن خيارات وأدوات بديلة، ذلك هو الشعب المهمش المنفي خارج حقوقه ومصالحه بقرار مسبق.
نعرف أن القرار يتم تسريبه همساً لوسائل الإعلام، بأن هناك ضغوطا جبارة وهناك رضوخا قسريا بالمقابل، ولتجنب مواجهة الشرعية للشارع الغاضب وتلافياً للصدام معه، فإن القرارات سيتم تعطيلها دون الحاجة إلى الإعلان عن ذلك، وخطوة حكومية كتلك قطعاً تفتقر للحصافة، ومن أخطر تداعياتها، تدمير ما بقي من ثقة بين الشرعية والشارع، وضخ بين أوساطه المزيد من الاحتقان.
منح الحوثي نصراً سهلاً وبلا حرب بالمعنى السياسي، يعيد إلى يديه وهو المتخبط المحتضر جراء القرارات المالية، روح المبادأة مرة أُخرى، في تحديد مسارات التسوية، ويعظِّم من حضور خطابه بين قواعده ادعاءً بالقوة، والقدرة على تعطيل كل استحقاق يتعارض مع مصالحه، من الاقتصاد وحتى اشتراطات ومخرجات التفاوض والحل الشامل.
سيخرج الشارع الوطني متظاهراً داعماً لقرارات الشرعية، وهو حالة إجماع نادر الحدوث، وسيضعها أمام مسؤولياتها، وفي حال قمع التحركات السلمية، فإن الشرعية تضع قدمها في آخر درجة من سُلَّم التردي والتعثر وربما السقوط.
من صفحة الكاتب على إكس