مر السبت على عدن وكان ثقيلاً مشبعاً بالقلق والتوجسات، مفتوحاً على ضبط النفس وحمامات الدم، محتوياً على كل الأضداد، على الشيء وضده، مر السبت والأيادي على القلوب من حرف مسار سلمية التظاهر، إلى مواجهات مكلفة تؤدي إلى نسف أمن وسلامة عدن.
قضية عشال المختطف متداخلة التوصيف، هي جنائية على خلفية صراع مافيات البسط على الأراضي، وهي سياسية، لأن من قام بفعل الخطف أو المتهم بها هي جهة أمنية، انحرفت عن واجباتها وانتقلت من مكافحة الإرهاب كما هو حال اسمها، إلى ممارسة الإرهاب، بما يتخطى عشال إلى أسماء ما زالت ملفاتها لم تُفتح بعد، وهي قضية إنسانية حركت عواطف الشارع، وخلقت حالة من التضامن الجمعي حد اعتبارها قضية رأي عام.
من المعيب حصر توصيفها في الخانة الجنائية فقط، بل سياسية تقذف بتداعياتها إلى داخل المجلس الانتقالي، وتضيء على خلل مميت وفوضى مهام، وتداخل اختصاصات، عبث يطال كل أجهزته الأمنية ذات التماس اليومي مع المواطن، ما يعني أن فوضى الأجهزة تلك وعدم هيكلتها يسحب الكثير من صدقية شعارات الانتقالي، ويضعف مشروعه السياسي، يؤلب عليه بدلاً أن يلتف حوله الناس، هذه الاختلالات المميتة في نشاط أمن عدن وربما المناطق المحررة، توفر أرضية لقوى العنف والإرهاب وعموم خصومه للتداخل معها، وتغذيتها إعلامياً لنقل المواجهة إلى مرحلة تتخطى أجهزة الأمن، إلى الإطاحة بالمجلس الانتقالي، على خلفية تباطؤ الأداء وعدم تصحيح الاختلالات، والممانعة في الإقرار بأن هناك الكثير مما يوجب الإصلاح والتنظيف، التفكيك وإعادة البناء.
إن لم يبادر الانتقالي برفع سقف الحريات وصون الحقوق العامة وإعلاء شأن القانون، وإخضاع السجون لسلطة القضاء، وتصفير المعتقلات، وإدانة نهج الإخفاء القسري وبيوت الأشباح السرية، فإنه سيبقى أسير الوهم الذي تسوقه البطانة، من أن كل شيء في أحسن حال، وأن كل دعوة للهيكلة والتصحيح السياسي، التنظيمي، الأمني، عمل عدائي واجب التخوين والإدانة.
في داخل المجلس الانتقالي مشكلة بنيوية عليه الاعتراف بها أولاً، ومن ثم تصحيحها تالياً، ولتبدأ من نقطة ارتكاز أساسية: مغادرة فوضى وتداخل اختصاصات وتغول الأجهزة، قبل أن تتحول عملية النيل من أمن الناس إلى كارثة، تعيد إحياء الاصطفافات المناطقية، وتعصف بمشروعه السياسي.
من الخارج الذي يسعى إلى إقصاء الانتقالي عن التسوية، إلى الداخل المضطرب، هناك الكثير مما يجب عمله الآن، قبل أن يصبح الغد متأخراً، وينجح خصومه وهُم كُثر، بقلب الطاولة في وجه الجميع، كياناً سياسياً وقضية جنوبية مستحقة.
من صفحة الكاتب على إكس