عبدالله محسن الشادلي

عبدالله محسن الشادلي

تابعنى على

إرث الفوضى في وادي حضرموت

منذ ساعة و 40 دقيقة

لقد سلط توجية النائب العام القاضي قاهر مصطفى، بفتح تحقيق بشأن محطات تكرير النفط غير المرخصة التي كشفتها القوات المسلحة الجنوبية في منطقة الخشعة بصحراء حضرموت، الضوء على واحدة من أكثر القضايا حساسية في المشهد اليمني، والمتصلة بشكل وثيق بعلاقة الاختلالات الأمنية باستباحة الموارد السيادية خارج إطار الدولة. فمثل هذه الأنشطة لا تنمو في بيئة مستقرة، ولا تزدهر إلا في ظل فراغ أمني وتداخل غير منضبط في مراكز النفوذ.

إن وجود محطات تكرير بدائية تعمل خارج القانون، وبعيداً عن أي رقابة مؤسسية، يعكس واقعاً ظل قائماً لسنوات، حين كان وادي حضرموت خاضعاً لسيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى، التي فشلت في أداء مهامها الأمنية، وحوّلت المنطقة إلى مساحة رخوة استُخدمت كحاضنة آمنة للتنظيمات الإرهابية، وممر للجماعات الحوثية، وبيئة خصبة لشبكات التهريب والفساد المنظم، بما في ذلك العبث بثروات حضرموت النفطية.

في هذا السياق، تبرز عملية "المستقبل الواعد" كنقطة تحول مفصلية، أعادت رسم الخارطة الأمنية في وادي حضرموت، وأنهت مرحلة طويلة من الفوضى المقنّعة بالشرعية. فقد مكّنت هذه العملية القوات المسلحة الجنوبية من بسط السيطرة، وتفكيك شبكات المصالح غير المشروعة، وكشف أنماط من النشاط الاقتصادي الموازي الذي كان يعمل تحت حماية الأمر الواقع.

وبأي حال من الاحوال، لا أعتقد أنه يمكن فصل هذه الإنجازات عن الدور السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي قاد مساراً متكاملاً لاستعادة القرار الأمني والعسكري في الجنوب، باعتباره مدخلاً ضرورياً لحماية السيادة والموارد، وتعزيز الاستقرار.

إن التحقيق في هذه المحطات يجب أن يشكل بداية لمسار أوسع من المساءلة والمحاسبة، واستكمال عملية تطهير حضرموت من إرث الاختلالات الأمنية. فالدولة لا تُبنى بوجود جيوش متعددة الولاءات، ولا تُحمى الثروة الوطنية إلا بسلطة أمنية موحدة، وهو ما أثبتته التجربة بوضوح في وادي حضرموت.