الحاج "مقبل" والقبيلي "حسين" اثنين يمنيين طيبين فتحوا عيونهم في حارة الجحملية بتعز وهم جيران الباب للباب والنافذة للنافذة ورائحة الطبيخ في كل بيت يشمها الآخر وغالبا ما يتبادلان الأطعمة والمجاملات، مافيش يوم يمشي من دون ما احد منهم يسلم على الثاني او يسأل عن حاله.
ومع الوقت اصبح للحاج مقبل وللقبيلي حسين اولاد يلعبوا في الحارة سوا، ويروحوا المدرسة سوا وكبروا وهم اصحاب وجيران يتفادوا بالارواح، وكانت جدران الزقاق الذي يمشوا فيه وهم مروحين الى البيت مليئة بالشخاطيط وبالعبارات الحميمية، وكل واحد من العيال كان يكتب احلامه هناك عرض جدار بيتهم وينام خلف تلك الجدران وهو مرتاح ومبسوط.
كتب زياد ابن القبيلي حسين عرض الجدار ذات مرة (زياد + مروان = صداقة الى الأبد). وكتب مروان ابن الحاج مقبل عرض جدار بيتهم (مروان وزياد صداقة الى الابد). وفي كل صباح كان "مقبل" يمر من نفس الزقاق ويشوف العبارات المكتوبة ويقول لجاره القبيلي حسين (الله يصلح العيال ياخي حسين).
والقبيلي حسين يرد عليه من قلب خالص: الله يصلح ويديم المحبة والمجورة ياخي مقبل.
اياد ومروان تسربا باكرا من المدرسة واصبحا بمرور الوقت شابين بلا أحلام حقيقية على أرض الواقع، وهما من أسرتين فقيرتين سكنتا حارة الجحملية في مدينة تعز قبل خمسين سنة تقريبا، وعاشا فيها بسلام وأمان، لكن الشياطين لم يتركوا الحي المتآلف يعيش بسلام، ولم يتركوا شبان الحي الطيبين يواصلون محبتهم وأحلامهم المكتوبة عرض الجدران. وفي حارة الجحملية الشبان العاطلون كثر ويبحثون عن أي حاضن يستثمر طاقاتهم المهدرة في انتظار أن تلتفت لهم الحكومة أو أحزابها السياسية، ولكن الذي حدث كان مختلفا تماما ويفتقر إلى المروءة.
لقد تسربت الجماعات الدينية إلى قلب الحارة الفقيرة وسنة 2010 كان نشاط جماعة السلفيين في الجحملية قد تظافر أكثر من ذي قبل واستقطبوا عددا من الشبان بينهم "مروان" واثنين من إخوانه الأصغر منه، وذهب عيال الحاج مقبل الثلاثة مع جماعة السلفيين للدراسة في "دماج" بمحافظة صعدة، ومكثوا هناك لفترة، عاد مروان من بعدها إلى الحارة وقد تغير تفكيره تماما، وأصبح متزمتا أكثر من اللازم واختفت الضحكة من وجهه.
وسنة 2012 تسرب نشاط الحوثيين إلى قلب حارة الجحملية ولم تمض فترة طويلة حتى انضم إلى جماعة الحوثيين كثير من الشبان العاطلين بينهم "زياد" الذي كان محبطا أيامها وذهب ضمن جماعة من شبان الحارة إلى صعدة في دورة ثقافية لإعادة تأهيل الشبان وفق برامج ومنهاج الحركة.
وهناك، في صعدة، أمضى زياد فترة إعداد لابأس بها عاد من بعدها إلى الحارة وقد أصبح إنسانا آخر غير الذي كان من قبل. وبعد وقت قصير جدا كان الحلال والحرام قد أصبح بالنسبة لزياد ومروان القضية الجوهرية الأولى التي ينشطان من خلالها في الحارة. ولم يعد الاثنان يجلسان إلى بعض كثيرا وكل واحد منهما كان يتهرب من مصادفة الآخر في الطريق.
حتى جدران الأحلام القديمة تغيرت حينها ولم تعد كما كانت من قبل.
كتب مروان فوق جدار الأحلام الخاص به "تعز سنية وستظل سنية إلى الأبد". وكتب زياد عرض جدار الأحلام الخاص به عبارة "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، العزة للإسلام".
سنة 2013 اندلعت الحرب الدينية في دماج بين السلفيين "السنيين" والحوثيين "الشيعة" وكان مروان قد حمل البندقية وراء جماعة السلف وذهب ليحارب في دماج دفاعا عن كتاب الله. وكان زياد هو الآخر قد حمل البندقية وذهب إلى دماج لقتال السلفيين في سبيل حماية كتاب الله.
في تلك الحرب فقد الحاج مقبل اثنين من أولاده بينما نجا مروان، وأصبح يمر من زقاق الحارة وهو حزين وكان يصادف جاره حسين في الطريق ويراه مصدرا للشر ولم يعد يلقي عليه السلام او يدعو كما العادة "الله يصلح العيال".
وفي المقابل أيضا كان القبيلي حسين يشوفه في الحارة ويشعر بالحزن، وكان هو الآخر كسيرا ولايعرف لابنه زياد أي مصير.
سنة 2015 اندلعت الحرب في كل المدن والشوارع وفي الجحملية تحديدا دارت معارك ضارية ومدمرة وكان للانتقام بين الفصائل المتحاربة في الجحملية صور غاية في البشاعة تم خلالها تدمير البيوت واشتعلت الحرب من طاقة إلى طاقة وتنقلت من جار إلى جار وتم هدم بيت القبيلي حسين انتقاما لانضمام ابنه زياد إلى جماعة الحوثيين، وغادر القبيلي حسين هو وعائلته من حارة الجحملية نازحين إلى قرى وإلى بيوت لم يعرفوها من قبل.
وهذا هو العام الثالث عموما منذ اندلاع الحرب، ومروان لايزال حتى اللحظة يخوض معركة الحرب ضد الحوثيين في جبهة تعز ويبحث عمن يقتص لأخويه، ويتوعد ألا مكان للروافض في تعز.. وهو يقول إنه يفعل ذلك انتصارا لكتاب الله وسنة رسوله! وزياد هو الآخر لايزال حتى اللحظة يخوض الحرب في الجبهات مع الحوثيين ضد الدواعش ويقول إنه يفعل ذلك انتصارا لكتاب الله وسنة رسوله!
و أغلب الظن أن الحاج مقبل والقبيلي حسين كلاهما معا كانا حزينين وجريحين ويشعران أن أبناءهم فلتوا من
بين اياديهم واصبحوا حطبا لمعارك دكت السلم الاجتماعي وجعلت من الجيران والأهل خصوما يضمرون لبعضهم الكراهية والشر.
ومش بس القبيلي حسين والحاج مقبل هم اللي يشعروا بالحزن، حتى جدران الأحلام حزينة مثل زقاق الحارة ومثلي.
الحاج "مقبل" والقبيلي "حسين" اثنين يمنيين طيبين فتحوا عيونهم في حارة الجحملية بتعز وهم جيران الباب للباب والنافذة للنافذة ورائحة الطبيخ في كل بيت يشمها الآخر وغالبا ما يتبادلان الأطعمة والمجاملات، مافيش يوم يمشي من دون ما احد منهم يسلم على الثاني او يسأل عن حاله.
ومع الوقت اصبح للحاج مقبل وللقبيلي حسين اولاد يلعبوا في الحارة سوا، ويروحوا المدرسة سوا وكبروا وهم اصحاب وجيران يتفادوا بالارواح، وكانت جدران الزقاق الذي يمشوا فيه وهم مروحين الى البيت مليئة بالشخاطيط وبالعبارات الحميمية، وكل واحد من العيال كان يكتب احلامه هناك عرض جدار بيتهم وينام خلف تلك الجدران وهو مرتاح ومبسوط.
كتب زياد ابن القبيلي حسين عرض الجدار ذات مرة (زياد + مروان = صداقة الى الأبد). وكتب مروان ابن الحاج مقبل عرض جدار بيتهم (مروان وزياد صداقة الى الابد). وفي كل صباح كان "مقبل" يمر من نفس الزقاق ويشوف العبارات المكتوبة ويقول لجاره القبيلي حسين (الله يصلح العيال ياخي حسين).
والقبيلي حسين يرد عليه من قلب خالص: الله يصلح ويديم المحبة والمجورة ياخي مقبل.
اياد ومروان تسربا باكرا من المدرسة واصبحا بمرور الوقت شابين بلا أحلام حقيقية على أرض الواقع، وهما من أسرتين فقيرتين سكنتا حارة الجحملية في مدينة تعز قبل خمسين سنة تقريبا، وعاشا فيها بسلام وأمان، لكن الشياطين لم يتركوا الحي المتآلف يعيش بسلام، ولم يتركوا شبان الحي الطيبين يواصلون محبتهم وأحلامهم المكتوبة عرض الجدران. وفي حارة الجحملية الشبان العاطلون كثر ويبحثون عن أي حاضن يستثمر طاقاتهم المهدرة في انتظار أن تلتفت لهم الحكومة أو أحزابها السياسية، ولكن الذي حدث كان مختلفا تماما ويفتقر إلى المروءة.
لقد تسربت الجماعات الدينية إلى قلب الحارة الفقيرة وسنة 2010 كان نشاط جماعة السلفيين في الجحملية قد تظافر أكثر من ذي قبل واستقطبوا عددا من الشبان بينهم "مروان" واثنين من إخوانه الأصغر منه، وذهب عيال الحاج مقبل الثلاثة مع جماعة السلفيين للدراسة في "دماج" بمحافظة صعدة، ومكثوا هناك لفترة، عاد مروان من بعدها إلى الحارة وقد تغير تفكيره تماما، وأصبح متزمتا أكثر من اللازم واختفت الضحكة من وجهه.
وسنة 2012 تسرب نشاط الحوثيين إلى قلب حارة الجحملية ولم تمض فترة طويلة حتى انضم إلى جماعة الحوثيين كثير من الشبان العاطلين بينهم "زياد" الذي كان محبطا أيامها وذهب ضمن جماعة من شبان الحارة إلى صعدة في دورة ثقافية لإعادة تأهيل الشبان وفق برامج ومنهاج الحركة.
وهناك، في صعدة، أمضى زياد فترة إعداد لابأس بها عاد من بعدها إلى الحارة وقد أصبح إنسانا آخر غير الذي كان من قبل. وبعد وقت قصير جدا كان الحلال والحرام قد أصبح بالنسبة لزياد ومروان القضية الجوهرية الأولى التي ينشطان من خلالها في الحارة. ولم يعد الاثنان يجلسان إلى بعض كثيرا وكل واحد منهما كان يتهرب من مصادفة الآخر في الطريق.
حتى جدران الأحلام القديمة تغيرت حينها ولم تعد كما كانت من قبل.
كتب مروان فوق جدار الأحلام الخاص به "تعز سنية وستظل سنية إلى الأبد". وكتب زياد عرض جدار الأحلام الخاص به عبارة "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، العزة للإسلام".
سنة 2013 اندلعت الحرب الدينية في دماج بين السلفيين "السنيين" والحوثيين "الشيعة" وكان مروان قد حمل البندقية وراء جماعة السلف وذهب ليحارب في دماج دفاعا عن كتاب الله. وكان زياد هو الآخر قد حمل البندقية وذهب إلى دماج لقتال السلفيين في سبيل حماية كتاب الله.
في تلك الحرب فقد الحاج مقبل اثنين من أولاده بينما نجا مروان، وأصبح يمر من زقاق الحارة وهو حزين وكان يصادف جاره حسين في الطريق ويراه مصدرا للشر ولم يعد يلقي عليه السلام او يدعو كما العادة "الله يصلح العيال".
وفي المقابل أيضا كان القبيلي حسين يشوفه في الحارة ويشعر بالحزن، وكان هو الآخر كسيرا ولايعرف لابنه زياد أي مصير.
سنة 2015 اندلعت الحرب في كل المدن والشوارع وفي الجحملية تحديدا دارت معارك ضارية ومدمرة وكان للانتقام بين الفصائل المتحاربة في الجحملية صور غاية في البشاعة تم خلالها تدمير البيوت واشتعلت الحرب من طاقة إلى طاقة وتنقلت من جار إلى جار وتم هدم بيت القبيلي حسين انتقاما لانضمام ابنه زياد إلى جماعة الحوثيين، وغادر القبيلي حسين هو وعائلته من حارة الجحملية نازحين إلى قرى وإلى بيوت لم يعرفوها من قبل.
وهذا هو العام الثالث عموما منذ اندلاع الحرب، ومروان لايزال حتى اللحظة يخوض معركة الحرب ضد الحوثيين في جبهة تعز ويبحث عمن يقتص لأخويه، ويتوعد ألا مكان للروافض في تعز.. وهو يقول إنه يفعل ذلك انتصارا لكتاب الله وسنة رسوله! وزياد هو الآخر لايزال حتى اللحظة يخوض الحرب في الجبهات مع الحوثيين ضد الدواعش ويقول إنه يفعل ذلك انتصارا لكتاب الله وسنة رسوله!
و أغلب الظن أن الحاج مقبل والقبيلي حسين كلاهما معا كانا حزينين وجريحين ويشعران أن أبناءهم فلتوا من
بين اياديهم واصبحوا حطبا لمعارك دكت السلم الاجتماعي وجعلت من الجيران والأهل خصوما يضمرون لبعضهم الكراهية والشر.
ومش بس القبيلي حسين والحاج مقبل هم اللي يشعروا بالحزن، حتى جدران الأحلام حزينة مثل زقاق الحارة ومثلي.