تعقباً على المقال السابق حول فكرة «قرين القرآن» حاول بعض أنصار الحوثي الخروج من ورطة وصفهم لزعيمهم بأنه «قرين القرآن»، بأن ذلك وصف عادي يمكن أن يُطلق على من يقرأ القرآن ويعمل به.. وهذا تلبس على من لا يعرفهم.. لهذا لزم التوضيح بأن الخلاف معهم في هذه المسألة هو في معنى خاص يقدمونه لـ«قرين القرآن»، ويتعاطون معه في الواقع العَمَلي، ونوضح ذلك في الآتي:
❶ اقتران القَرِين بالقرآن لا يعني عندهم مجرد تلاوته أو اتباعه؛ ولكنه يعني مماثلة القرآن، حتى إن القرآن ذاته لا ينفع ولا يُجدي إلا بواسطة ذلك القرين، وبدونه سيكون القرآن مصدر ضلالة وعمى.. وهذه نقطة الخلاف الجوهرية التي انتقدناها في المقال السابق، وقد صرح بها في أكثر من موضع في ملازمه:
▪ فقال: «الأمة بحاجة إلى علم هو قرين القرآن يشكل ضمانات لما هو مطروح في الساحة من الدين، وإلا فسيستخدم كل شيء من الدين لإضلال الأمة بما فيها القرآن نفسه».
▪ «الأمة تحتاج إلى من يهديها بالقرآن.. تحتاج إلى من يفهم آياته فعندما رأت نفسها مستغنية، ما الذي حصل؟ هل اهتدت فعلاً بالقرآن؟ لا؛ بل ضلت ولم تهتد بالقرآن».
▪ «إذا قلنا: لسنا بحاجة إلى أعلام، فنحن نرى ما هو قائم نحن مختلفون فيه، فنحن رأينا أنفسنا ضعنا، وتهنا، ولم نهتد حتى والقرآن قائم بين أيدينا!».
▪ «فعندما يُقْصَى عليٌ على جنب فبالتأكيد أن القرآن أُقصِيَ معه أيضاً؛ لأنه قرين القرآن، ولا يمكن أن تتصور أن أحداً من الناس بإمكانه أن يُقصيَ علياً جانباً ويبقى القرآن يعمل ويبقى القرآن حياً».
وبها يكون القرآن محكوماً بمزاج القرين، يؤوله كما يشاء، وصار تابعاً وليس متبوعاً.
❷ قُرناء القرآن في مفهوم الحوثي ليس من يقرأ القرآن أو يعمل به، ولكنهم المُعَيَّنون على أساس عِرقي، محصور في أبناء علي وفاطمة فقط، وليس حتى في بني هاشم كلهم.. فليس لأحد من حَفَظة القرآن وكتابه من الصحابة والتابعين وكبار أئمة الصّلاح أن يكون من قرناء القرآن، فلا حواري رسول الله عبد الله بن مسعود، ولا حَبر الأمة عبد الله بن عباس، ولا كاتب القرآن زيد بن ثابت، ولا عمار بن ياسر ولا سلمان الفارسي ولا المقداد بن الأسود، ولا أحد من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين يمكن أن يكون - في نظر الحوثي - من قرناء القرآن، حتى لو قطعوا أنفسهم بين آياته وعملوا بكل حَرف منه! وأتحدى أي حوثي مُعتبر يقول: إنه يمكن يكون قرين قرآن من خارج الأسرة. وفي هذه النقطة:
▪ قال الحوثي: «آل محمد.. يعني ذريته، هؤلاء هم المصطفين لوراثة الكتاب، وأن يكونوا هم قرناء الكتاب».
▪ وقال: «آل محمد قرناء القرآن.. حُفظوا، حاول الطغاة بكل الوسائل القضاء على آل محمد فقتلوا وشردوا... ومع هذا لم يستطيعوا أن يقضوا عليهم».
▪ وقال: المسألة غير متروكة لك فتتأثر بهذا أو بهذا دون مقاييس إلهية وأنت تتولى الأعلام الذين اختارهم الله وعينهم وحددهم... فالتولي الصحيح حيث تكون الولاية للأعلام الذين رسمهم الله للأمة ونصبهم للأمة فإن الولاية تعطي ثمرتها».
▪ وقال عن تكاثر المنتسبين إلى الإمام علي: «آية إلهية تدل فعلاً على أن لأهل البيت دوراً مهماً في هذه الأمة، وأنهم مرتبطون بالقرآن الكريم، وأنهم حظوا برعاية إلهية، وحفظ إلهي في بقاء وجودهم، وإلا فهم تعرضوا لاستئصال عرقي فعلاً؟ حفظوا كما حفظ القرآن الكريم».
وبهذا يكون الاقتران وكالة حصرية خاصة مرتبطة في الأساس بالعرق والدم أولاً، ثم وفي دائرة العرق والدم فقط يتم البحث عن قُرناء القرآن؟
❸ بعد أن حدد معنى «قرين القرآن» وعين أهله الحَصْريين، أخذ يؤكد أن الأمة قد ضلت بسبب عدم تمسكها بهم بل صارت تحت أقدام اليهود والنصارى، مؤكداً أنه لا يمكن للعالم الخلاص إلا عن طريقهم، وإن جاهد من جاهد وفكر من فكر وصلى من صلى، فكل ذلك لا ينفع إلا بالعودة إليهم، ومن ذلك:
▪ قوله: «فلن يكون إنقاذ الأمة من الضلال الذي تعيشه إلا على يد عترة رسول الله الذين هم قرناء القرآن».
▪ وقال «إن من خرج عن دائرة القرآن والعترة، لابد أن يضل، وإن ظن أنه من أكثر الناس عبقرية، وإن وسَمَ نفسه بأي لقب يكون، لابد أن يضل».
▪ وقال: «لن تنجح الأمة، ولن تخرج من أزماتها، ولن تنقذ الأمة من الوضعية المهينة التي تعيشها إلا بالعودة إليهم فإذا لم تتمسكوا ستضلون، سنن إلهية ثابتة. حينئذٍ ليتعبد المتعبدون، وليدع الداعون، وليتصدق المتصدقون، وليتركع المتركعون، لن يستجيب لهم إلا بالعودة إلى ما أرشدهم إليهم».
▪ وقال: «هذه الأمة هي التي ابتعدت عن القرآن، ابتعدت عن قرناء القرآن، ابتعدت عن الرسول، ثم انطلقت في الميدان مجردةً من سلاحها الحقيقي، من هديها، من هداتها، من قادتها، ثم انطلقت لتصارع فهُزمت وأُذلت، وأصبحت أمةً تحت أقدام اليهود والنصارى».
❹ أكثر من ذلك وأبعد أنه اعتبر صلحاء الأمة الذين اختارهم المسلمون للخلافة أو الزعامة أو كانوا علماء دين هم مصدر ضلالة وهزيمة للأمة ما داموا من غير أهل البيت! وعن ذلك:
▪ قال: «إن كل أولئك الذين حكموا المسلمين بدءاً من أبي بكر من غير أهل البيت، هم من أضاعوا إيمان الأمة».
▪ وقال: «أختار لهم أهل بيته ليكونوا قرناء مع كتاب الله، فيكونون هم من تلتف حولهم الأمة، فرفضوا هذا، وبحثوا عن قدوات من هنا وهناك، من بخارى، ونيسابور».
▪ وقال: «تعود الأمة إلى القرآن وليس إلى المفسرين من أهل السنة، لتتعرف على القرآن عن طريق قرناء القرآن، وورثة القرآن».
▪ وقال: «ليعود الناس إلى القرآن الكريم من خلال تدبر آياته، ومن طريق قرناء القرآن الذين أرشد إليهم الرسول في حديث الثقلين.. ليبحث الناس عمن هم الذين أنعم عليهم بأن جعلهم أعلاماً لدينه، وهداة لعباده وقادة لخلقه».
❺ بعد أن احتكر العلمية والاصطفائية والاقتران في أسرته على أساس عِرقي، واجهته مشكلة أن أبناء عشيرته كبقية الناس فيهم محسن وظالم لنفسه مبين، فاضطر إلى العودة إلى القاعدة الصحيحة وهي أن معيار التّميز هو العمل، ولكنه تحايل على ذلك وظل مصراً على أن القرين لا يكون إلا من صُلحاء السلالة فقط دون غيرهم:
▪ فقال: الله يريد أن يقول: «نحن اصطفينا فئة من عبادنا "هذه واحدة" جعلناهم ورثة للكتاب... وأنت تأتي وتقول: لكن فيهم، ولكن فيهم، وفيهم. وكيف نعمل إذا فيهم؟ هو يعلم بكل شيء من قبل أن تعلم أنت، هو يقول لك: هنا وراثة الكتاب هنا، وأنا الذي سأتكفل بوضع الهداة داخل ورثة الكتاب... أمرنا أن نحبهم فنحبهم، أمرنا أن نصلي عليهم فنصلي عليهم، أمرنا أن نرتبط بهم جملة، أمرنا بأن نؤمن بأن هناك وراثة للكتاب وهناك الهداية للأمة، هذا هو الشيء المهم».
▪ وحذر من انتقاء الصالحين منهم فقط، فقال: «المسألة هي أنه يريد أن يربط الأمة بكلها بأهل البيت، فليؤمنوا بأن هنا وراثة للكتاب، بأن هنا العترة التي أمر بالتمسك بهم مع القرآن، ودعوا التصنيفات، فباقي المسألة هي على من؟ على الله».
▪ وقال: «إذا جئنا إلى المسألة من جانب آخر ثم أقول: "الذي أعرفه من أهل البيت وهو صالح أنا سأحبه، لكن الآخرين مالي دخل منهم". كيف أصبحت روحيتك ونفسيتك بالنسبة لأهل البيت، أليست نفسية انتقاء من البداية؟ يعني أنت أساساً لست مرتبطاً بأهل البيت ولكن إذا ظهر لك أن هناك واحد جيِّد فأنت ستحبه، أليست هكذا؟».
❻ ثم ظهرت مشكلة أخرى، وهي كيف يتخلص هو وأنصاره من صلحاء العلويين المنتمين إلى الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية والمعتزلة والجعفرية والاسماعيلية والصوفية والعلمانية والاخوانية والوهابية، وكيف يخرجونهم من العَلَميّة والاقتران والاصطفاء، وهؤلاء قصتهم قصة.. نسأل الله السلامة!
وفي مسألة من يَدخل ويَخرج في الاقتران يقول: «المطلوب هو أنني أرتبط بأهل البيت، أحب أهل البيت، أصلي على محمد وآل محمد، أتولى آل محمد على هذا النحو، ثم في ميدان العمل أرتبط بالهداة، في ميدان الولاء عندما يتبين لي شخص سيء أرفضه».
فهو يريد لك أن تتبع وتحب وتنقاد دون تمييز، ثم بعد ما تصبح تابعاً له سيعرفك من هو الصالح الذي يصلح قريناً ومن ليس كذلك، لأنك لا تَعلم، ولكن «العَلَم» هو الذي سينتقي لك ويعيّن الصالح من الطالح.. وهكذا.. «عصيد في جمنة» كما يقول أهل اليمن!!
❼ وهنالك مشكلة أخرى، وهي كيف يمكنه أن يتخلص من عَلَمية واقتران الصلحاء العلماء من أسرته ومذهبه ممن ليسوا على مزاجه السياسي الخاص، كالسيد العجري والسيد مجد الدين والسيد الهادي والسيد المؤيد والسيد المنصور والسيد الشامي والسيد المتوكل والسيد العزي والسيد... الخ.
وكذلك العلماء العُبّاد الذائبين في القرآن العاملين به من علماء الزيدية، لا ولم ولن يكونوا من قُرناء القرآن ما داموا خارج السلالة.. هذه حقيقة لا نزاع فيها عندهم.. فلمَ التلبيس؟!
لقد كان الأخ عبد الكريم جدبان أعلم من حسين الحوثي وأكثر منه قراءة للقرآن وارتباطاً به وفهماً له، وحتى الأخ صالح الصماد كان من أكثرهم تلاوة للقرآن وأشجعهم وأكثرهم عَملاً واستبسالاً في مشروعهم، ومع ذلك لا يمكن لشخص مُعتبر من الجماعة أن يتجرأ ويقول: إن هذا أو ذاك من قُرناء القرآن!