محمد عبده الشجاع
ضحايا لا يستحقون الموت.. أعيدوا لي أمي أيها القتلة!!
قبل أقل من عام، سقط عشرات الأطفال الأفغان بين قتيل وجريح، إثر قصف للطيران الأمريكي استهدف مكان حفل تخرج لحفظة قرآن؛ والذي انتهى بمأساة جديرة بأن تتصلب الإنسانية كاملة أمامها.
بهكذا أفعال يستمر السيناريو، وخارج كل حسابات الحرب يسقط ضحايا كثر، كانوا في طريقهم إلى الحياة، فاقتضت حاجة الصراع وقواعد الاشتباك تغيير وجهتهم دون علم منهم.
هذا ما يحدث حين يحلق الطيران بموجب أوامر أو إحداثيات تثبت فداحة العملية لاحقاً.
يحدث ذلك أيضاً حين تشتبك المليشيا، والجماعات المسلحة "بالوهم والبندقية"، في الشوارع المكتظة بالخلق.
أما حين تضج الشوارع والأزقة في قلب مدينة ك تعز، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني "مجازاً"؛ بالاشتباكات، فإن الوضع مختلف تماماً، حيث يصبح المشاة والمتسوقون، والباعة المتجولون، وأصحاب البسطات والمحلات التجارية، وسائقو الدراجات النارية، حصاد الحرب وثمارها اليانعة.
حينها يصبح التأمل خيبة، والتعبير ترفاً، والنقد تسلية، والتقصي وجعاً، والحيرة تأنيبَ ضمير لا أكثر، تقف عاجزاً غير مستوعب ما يجري، فتتخيل أن هذا البريء الذي سقط أخوك أو أبوك، أو صديقك الذي كنت له وكان لك كل شيء.
تخيل أن تخرج أمك للتسوق فتعود جثة هامدة، هذا ما كانت عليه تعز أمس واليوم، طفل يستغيث "أعيدوا لي أمي.. أعيدوا لي أمي" فمن سيعيد له أمه، وأرواح ستين قتيلاً سقطوا في غضون أربعة وعشرين ساعة؟!
النزوات الفردية والجماعية التي تأتي خارج سياق المنطق، غالباً ما يكون ضحيتها الآخر، أياً كان شكلها، والمجتمع ككل، فهل تستحق تعز، مثلاً، كل هذا العبث الذي تمارسه جماعات "العصا والجزرة"؟
ما تُحدثه النيران الصديقة ونيران العدو، حين يتخذان من المُشاة فوق الأرصفة، ومن أطفال ليس لهم ناقة ولا بعير فيما يجري، هدفاً يتصدر نشرات الأخبار، والْسنة المحللين، وكُتاب التقارير؛ كارثة إنسانية بكل المقاييس والمعايير.
في اليمن، فقط، تستطيع معرفة قيمتك ككائن له روح، بالنسبة إلى كل هؤلاء الذين يتقاتلون على الأرض، والذين نسجوا منك مادة دسمة على شاشات التلفزيون، أو مواد تجعلهم متعطشين دوماً إلى لقياك، كلما سكنت الحرب قليلا،ً أو ابتل الرصيف بالغبار.
إن تواجد المنظمات الإنسانية المحايدة، ووسائل الإعلام المتعددة، والصحفيين المحترفين، ومنحهم الحصانة من أي اعتداء أو مضايقات، كان سيعمل على خفض منسوب الجدل الدائر بعد كل جريمة تحدث بحق الأبرياء، لكن ذلك أصبح شبه مستحيل، حتى موظف "الصليب الأحمر الدولي" تم اغتياله جهاراً نهاراً، لذات السبب الذي يسقط على إثره الأبرياء كل يوم.
وهنا يمكن أن نتساءل، لماذا تصر جميع الأطراف المتحاربة في الداخل اليمني، في ظل الأوضاع التي يمر بها البلد، على جعل الجغرافيا معزولة عن العالم؟ حتى تلك المناطق البعيدة عن المواجهات؟
كلما حدثت مجزرة خرجنا منها بأكثر من تقرير وتحقيق، كلٌ يحمل الطرف الآخر المسؤولية.
مثلاً المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، منذ اللحظات الأولى للحرب بعد أن كانوا قد بدؤوا بالسيطرة الفعلية على الأرض والدوائر الحكومية؛ وهم "يتوجسون" من أي تحرك إعلامي على الأرض يريد أن ينقل الحدث ويكشف بعض الحقائق، إلى جانب رفضهم وجود أي وسيلة إعلامية خارجية أو صحفيين محليين إلا بصورة ومناطق محدودة جداً.
كما أنه تم اغتيال العديد من الصحفيين الذين حاولوا نقل الصورة الحقيقية لواقع بائس، في تعز وغيرها.
لقد أضحت قواعد الاشتباك مسرحاً للتجاذبات، ولا يوجد طرف تقيد بتلك القواعد حتى اللحظة، فأصبح الدم هو الصورة الأبرز، والخيط الفاصل بين الطلقة والطلقة.
اليمن اليوم، بحاجة لأكثر من وسيلة إعلامية وجهات معنية محايدة، تكشف كل الزيف الإنساني للأمم المتحدة، وتبرز المستقبل الذي تكرسه الأحداث والجماعات المؤدلجة بصورة بشعة.
إننا أمام مستقبل ملغوم بكوارث إنسانية وبيئية واجتماعية لا حصر لها ولا حدود.
ومع ذلك لا يمكن أن ينصف اليمنيين، أو يصحح مسار أفكارهم سواءً اليوم أو حتى بعد انتهاء المعركة هذا إذا انتهت أصلاً، إلا اليمنيون أنفسهم، من خلال العمل على تقرير مستقبلهم وترجمته على أرض الواقع قولاً وفعلاً.