محمد عبده الشجاع
مُحاكمَاتٌ نازية.. لوطنٍ ما زال يبتسم
تدمير الآثار وإحراق أي إرشيف، هي عملية إعدام ممنهجة لوثائق وأوقاف البلد، ومحاكمات باطنية للتاريخ، وترويع خادش للحياء، ومحاكاة الفراغ بالفراغ، والتأسيس لعنصر جديد وعرق مختلف، على حساب أجناس وأعراق أخرى تتمتع ب"الطهر" السلالي والأيديولوجي، كل هذا تقوم به الجماعات العابرة.
كما أنه عبث يندرج في إطار تغيير هُوية مجتمع، وطمس ذاكرته، وتقويض بنيانه، واقتلاع أشجار مستقبله الذي لم نستشرف أغصانه بعد.
أتذكر يوم سقطت بغداد في العام 2003م، تابعتُ العديد من المشاهد الإنسانية المؤلمة، والتي لم تكن بطبيعة الحال أسوأ من السقوط ذاته، لكن وقد حدث السقوط، لم يؤثر فيَّ مشهد كمشهد إحراق أحد المباني الحكومية وتصاعد الدخان بكثافة، بعد أن تم نهبه بالكامل وأمام الكاميرات، لذا فإن تَطايُر الأوراق الخارجة من النوافذ، كان كفيلاً باستدعاء الدموع، وتحريك الذاكرة الحزينة، وتجفيف منابع الريق، وتحفيز خلايا الحسرة، وقراءة الفاتحة الأخيرة على وجه بغداد المُتلاشي.
اليوم جماعة الحوثي العنصرية، بدون شك، لم تكتف بنهب الأموال وغسيلها، وشراء العقارات، في محاولة منها إعادة رسم خارطة طبقية وفئوية جديدة، قائمة على العلو والمجد، ليس على المستوى القبلي وإنما داخل أمانة العاصمة؛ الجامعة لكل الأطياف، الملتزمة بالتنوع كمبدأ إنساني وأخلاقي، وكظاهرة صحية لأي مجتمع يتمتع بالسلامة العقلية والذهنية.
برز هذا التوطين وتجلَّى بوضوح مع السيطرة الكاملة للمليشيا على العاصمة صنعاء، بعد صراع مرير، وتقاعس بليد؛ أظهرته جميع القوى السياسية والعسكرية والقبلية، ولم يكن الحوار الوطني إلا مجرد فاصلة في ضجيج، ما زال يَقُظُّ مضاجع وأسماع اليمنيين، وبطونهم، وكرامتهم، وحريتهم، وانسجامهم الذي كان قد تَخلَّق خلال العقود الماضية.
ثمة قيادات مقربة جداً من زعيم المليشيا تعمل بخفاء، هي بكل تأكيد من تساعد على تفخيخ المجتمع بكل أطيافه، من خلال جره إلى الثأرات، وشراء العقارات بشكل جنوني، بالتركيز على مناطق بعينها، لإقامة تجمعات سلالية ذات ولاء واحد، وهذا ما لم يحدث منذ اندلاع ثورة سبتمبر، إلا بصورة لم تكن واضحة، اقتصرت على المناطق القبلية وأطراف العاصمة. وسنصبح بعد فترة أمام ضواحٍ جنوبية، وشمالية، وشرقية، ومناطق تماس، هذا إذا سمحوا بوجود أحد إلى جوارهم.
وهي تعمل الآن على قدم وساق استكمالاً لخطط قديمة جديدة، في منطقة بني حشيش، يليها الجراف، ومنطقة الروضة شمال شرق، ثم المدينة الأثرية التاريخية، ثم منطقة بيت بوس، وحزيز جنوباً، ومنطقة القاع، إلى جانب ذلك، السيطرة المفرطة على جميع المداخل والمخارج الرئيسية، لاستكمال الهدف ذاته، وتأمينه على أعلى مستوى.
أضف إلى ذلك شراء منازل قيادات بارزة، عُرفت بنضالها في ثورة سبتمبر، والمطالبة بدفع إيجارات مبانٍ حكومية وشخصية، قيل إنها كانت من أملاكهم وتم نهبها عقب ثورة سبتمبر، إلى جانب ذلك عملية "التهجير"؛ التي لم تتوقف عند الأقلية اليهودية مروراً بدماج.
اليوم جزء من أرشيف وزارة الأوقاف تم إحراقه، قد تكون العملية فردية، وقد تكون جماعية لها أبعاد خطيرة، الأخطر من هذا كله ما يُعتملُ في الخفاء، من خلال المواثيق التي يتم التوقيع عليها، والاتفاقات القبلية الجهوية المذهبية، والتحشيد اليومي الموجه، وتغيير مناهج التعليم بكل مستوياته، واستقطاب صغار السن للتأثير عليهم، وغسل العقول بصرخة ليس لها صدى ولا منحت جدوى، صرخة نهبت حتى الرواتب.
يأتي ذلك كجزء من الفوضى التي تحكم البلاد، والانفلات الأمني الحاصل في كل مناحي الحياة، وهو أمر طبيعي إذا ما تم مقارنته بغياب الأجهزة الأمنية والرقابية، وشلل تام في الحركة الإنسيابية لموظفي الدوائر الحكومية، التي كانت شاهدة على وجود دولة.
الكارثة هي فيمن لا زال يعول على جماعة الحوثي، بأنها ستقود زمام الأمور إلى الأفضل، بل وهناك من يستميت في سبيل نسج الديباجة وكلمات المديح، لجماعة يقودها شخص من داخل كهف.
كل ذلك لا يعني أن هذه الجماعة قاب قوسين من بلوغ هدفها أو من السقوط، ما تزال تترنح "بين البين"، حتى في المناطق التي وجدت فيها حاضنة دافئة، هذه المناطق التي اتسمت بالخذلان في لحظة ما، سوف تكون حاضرة في اللحظة المناسبة، لا لشيء فقط لأنها وجدت نفسها وقد تورطت مع جماعة، حملت على عاتقها النضال المزيف، جماعة لا تفعل شيئاً سوى أنها تؤدي أسوأ دور مشبوه في تاريخ الجماعات الصاعدة، المنعزلة والمتطرفة.
أعتقد أن كل الذي يجري في اللحظة الراهنة، مجرد مُحاكمَات نازية.. لوطنٍ ما زال يبتسم، من قبل مشروع أحادي خبيث، تتخلق أجٍنَّتَه في شمال ووسط البلاد، وسوف يسقط مثلما تسقط جرة مليئة بخمر معتق.
ولا أسف!!
تدمير الآثار وإحراق أي إرشيف، هي عملية إعدام ممنهجة لوثائق وأوقاف البلد، ومحاكمات باطنية للتاريخ، وترويع خادش للحياء، ومحاكاة الفراغ بالفراغ، والتأسيس لعنصر جديد وعرق مختلف، على حساب أجناس وأعراق أخرى تتمتع ب"الطهر" السلالي والأيديولوجي، كل هذا تقوم به الجماعات العابرة.
كما أنه عبث يندرج في إطار تغيير هُوية مجتمع، وطمس ذاكرته، وتقويض بنيانه، واقتلاع أشجار مستقبله الذي لم نستشرف أغصانه بعد.
أتذكر يوم سقطت بغداد في العام 2003م، تابعتُ العديد من المشاهد الإنسانية المؤلمة، والتي لم تكن بطبيعة الحال أسوأ من السقوط ذاته، لكن وقد حدث السقوط، لم يؤثر فيَّ مشهد كمشهد إحراق أحد المباني الحكومية وتصاعد الدخان بكثافة، بعد أن تم نهبه بالكامل وأمام الكاميرات، لذا فإن تَطايُر الأوراق الخارجة من النوافذ، كان كفيلاً باستدعاء الدموع، وتحريك الذاكرة الحزينة، وتجفيف منابع الريق، وتحفيز خلايا الحسرة، وقراءة الفاتحة الأخيرة على وجه بغداد المُتلاشي.
اليوم جماعة الحوثي العنصرية، بدون شك، لم تكتف بنهب الأموال وغسيلها، وشراء العقارات، في محاولة منها إعادة رسم خارطة طبقية وفئوية جديدة، قائمة على العلو والمجد، ليس على المستوى القبلي وإنما داخل أمانة العاصمة؛ الجامعة لكل الأطياف، الملتزمة بالتنوع كمبدأ إنساني وأخلاقي، وكظاهرة صحية لأي مجتمع يتمتع بالسلامة العقلية والذهنية.
برز هذا التوطين وتجلَّى بوضوح مع السيطرة الكاملة للمليشيا على العاصمة صنعاء، بعد صراع مرير، وتقاعس بليد؛ أظهرته جميع القوى السياسية والعسكرية والقبلية، ولم يكن الحوار الوطني إلا مجرد فاصلة في ضجيج، ما زال يَقُظُّ مضاجع وأسماع اليمنيين، وبطونهم، وكرامتهم، وحريتهم، وانسجامهم الذي كان قد تَخلَّق خلال العقود الماضية.
ثمة قيادات مقربة جداً من زعيم المليشيا تعمل بخفاء، هي بكل تأكيد من تساعد على تفخيخ المجتمع بكل أطيافه، من خلال جره إلى الثأرات، وشراء العقارات بشكل جنوني، بالتركيز على مناطق بعينها، لإقامة تجمعات سلالية ذات ولاء واحد، وهذا ما لم يحدث منذ اندلاع ثورة سبتمبر، إلا بصورة لم تكن واضحة، اقتصرت على المناطق القبلية وأطراف العاصمة. وسنصبح بعد فترة أمام ضواحٍ جنوبية، وشمالية، وشرقية، ومناطق تماس، هذا إذا سمحوا بوجود أحد إلى جوارهم.
وهي تعمل الآن على قدم وساق استكمالاً لخطط قديمة جديدة، في منطقة بني حشيش، يليها الجراف، ومنطقة الروضة شمال شرق، ثم المدينة الأثرية التاريخية، ثم منطقة بيت بوس، وحزيز جنوباً، ومنطقة القاع، إلى جانب ذلك، السيطرة المفرطة على جميع المداخل والمخارج الرئيسية، لاستكمال الهدف ذاته، وتأمينه على أعلى مستوى.
أضف إلى ذلك شراء منازل قيادات بارزة، عُرفت بنضالها في ثورة سبتمبر، والمطالبة بدفع إيجارات مبانٍ حكومية وشخصية، قيل إنها كانت من أملاكهم وتم نهبها عقب ثورة سبتمبر، إلى جانب ذلك عملية "التهجير"؛ التي لم تتوقف عند الأقلية اليهودية مروراً بدماج.
اليوم جزء من أرشيف وزارة الأوقاف تم إحراقه، قد تكون العملية فردية، وقد تكون جماعية لها أبعاد خطيرة، الأخطر من هذا كله ما يُعتملُ في الخفاء، من خلال المواثيق التي يتم التوقيع عليها، والاتفاقات القبلية الجهوية المذهبية، والتحشيد اليومي الموجه، وتغيير مناهج التعليم بكل مستوياته، واستقطاب صغار السن للتأثير عليهم، وغسل العقول بصرخة ليس لها صدى ولا منحت جدوى، صرخة نهبت حتى الرواتب.
يأتي ذلك كجزء من الفوضى التي تحكم البلاد، والانفلات الأمني الحاصل في كل مناحي الحياة، وهو أمر طبيعي إذا ما تم مقارنته بغياب الأجهزة الأمنية والرقابية، وشلل تام في الحركة الإنسيابية لموظفي الدوائر الحكومية، التي كانت شاهدة على وجود دولة.
الكارثة هي فيمن لا زال يعول على جماعة الحوثي، بأنها ستقود زمام الأمور إلى الأفضل، بل وهناك من يستميت في سبيل نسج الديباجة وكلمات المديح، لجماعة يقودها شخص من داخل كهف.
كل ذلك لا يعني أن هذه الجماعة قاب قوسين من بلوغ هدفها أو من السقوط، ما تزال تترنح "بين البين"، حتى في المناطق التي وجدت فيها حاضنة دافئة، هذه المناطق التي اتسمت بالخذلان في لحظة ما، سوف تكون حاضرة في اللحظة المناسبة، لا لشيء فقط لأنها وجدت نفسها وقد تورطت مع جماعة، حملت على عاتقها النضال المزيف، جماعة لا تفعل شيئاً سوى أنها تؤدي أسوأ دور مشبوه في تاريخ الجماعات الصاعدة، المنعزلة والمتطرفة.
أعتقد أن كل الذي يجري في اللحظة الراهنة، مجرد مُحاكمَات نازية.. لوطنٍ ما زال يبتسم، من قبل مشروع أحادي خبيث، تتخلق أجٍنَّتَه في شمال ووسط البلاد، وسوف يسقط مثلما تسقط جرة مليئة بخمر معتق.
ولا أسف!!