في ذكرى الثورة، أعيد نشر ما كتبته في أكتوبر 2013م عندما كنت سفيراً في كندا عن ثورة 14 أكتوبر لعلّ في الإعادة إفادة وتأنٍ لقراءة الأحداث، وإن كان قد مرّ على المقالة خمس سنوات..
الثورة بمصطلحها السياسي تعني الخروج من وضع لتغييره بوضع أفضل، مقرونة بدوافع وأهداف سامية، فهي ظاهرة مهمة جداً في التاريخ السياسي للشعوب.
هذه هي القاعدة لكثير من الثورات بمختلف نمادجها، إلا أن ذلك يأتي في الإطار النظري، فهناك الكثير من الثورات التي انحرفت عن مسارها بسبب الفردية والاختطاف السياسي، أعقبها انقلابات كامتداد لتلك الثورات، بمسميات تصحيح المسار، والشواهد العربية والغربية كثيرة، وثورة أكتوبر ليست استثناءً من ذلك.
فبرغم النوايا الصادقة لكثير من ثوار أكتوبر، إلا أن قصور الوعي السياسي في تلك الفترة، والظروف الإقليمية والدولية قد لعبت دوراً مباشراً في عملية اختطاف الثورة وانحراف مسارها، خاصة في زخم الحرب الباردة والاستقطابات الدولية، وهو مازال، للأسف، حتى يومنا هذا.
قول الزبيري المأثور، وإن كان قد قيل في سياق آخر "إن الماء لا يلام إذا تفلّت من بين أصابع من يقبض عليه، ولكن اللوم على من يحاول القبض على الماء" بمعنى لا تلام الثورة بقدر ما يلام القائمون عليها.
دخلت ثورتا سبتمبر وأكتوبر في نفق مابعد الثورة، وهو تأثير المحيط الإقليمي والدولي حينها، دخل شمال اليمن في الحرب الأهلية بالوكالة ولسنوات طويلة تحت مسمى الملكية والجمهورية، بينما انجذب جنوب اليمن للتيار الذي لا يقبل إلا بالرأى الواحد واعتناق الأيديولوجية الاشتراكية في محيط وبيئة مغايرة، صاحبهما موجات عنف سياسية داخلية في كلا الشطرين، ثم دخلت الثورتان في صراع مع بعضهما، واستمر الحال لفترة طويلة، انهكت جيل الثورتين، وما بعدهما.
تلى ذلك الدخول في وحدة سياسية اندماجية لشطرين مترابطين جغرافيا، ولكن غير متجانسين من ناحية الأنظمة والثقافة، مما أفضى إلى حالة حرب، واستنزاف وطن، مازال مستمرا حتى اليوم بسبب عدم الإقرار الواقعي والعملي بذلك.
لم تعتمد النخبة على مراكز بحثية قبل اتخاد أي قرار استراتيجي، بل كان الحكم الفردي أو النخبوي هو الطاغي على كل القرارات، وها نحن نعاني حتى اليوم من هذه الثقافة.
الأطراف الخارجية هي آخر من تلام؛ فاذا حصنت دارك من الداخل لن يدخل عليك أحد، وإذا فتحت باب دارك على مصرعيه، لا تلم الغير.
وأعتقد أننا محظوظون بهذا المحيط الإقليمي الطبيعي، وليس العكس، فمتى رتبنا أوضاعنا، سيرحب الجميع بنا للاندماج معه.
اليوم نحن أمام شريحة، وإن أبدت نواياها الطيبة للتغيير، إلا أنها محملة بإرث ثقافي معقد قد يطغى على مخرجات الحوار والتنفيذ، لذلك ينبغي على هذه الأطراف أن تعي بأن المسؤولية جماعية، وأن مرحلة السلبية والتعتيم والانفرادية قد ولت، وأن ما نمر به الآن هو مرحلة تاريخية للجميع، فإما أن نبحر جميعاً بسلام أو نغرق جميعاً في عرض البحر.
قولي هذا ليس تقليلاً من إنجازات الثورة، فهناك الكثير والكثير من الإنجازات الكمية التى يمكن إحصاؤها من تعليم وصحة وبنية تحتية، ولكن بالتأكيد كان بالإمكان إنجاز أكثر بكثير من ذلك مقارنة بما نحن فيه حالياً.
هناك من المعاصرين الوطنيين ممن يستطيعون سرد قصة ثورة أكتوبر بإنصاف، كلٌ باجتهاده ووجهة نظره، كما هي وبكل تجرد، وليس كما يراد لها خاصة وأنها تفتقر لكتابات مجردة ومتعمقة.
كل عام وأنتم والوطن بكل خير وتطور ورخاء،،
* نائب رئيس الجمهورية - رئيس الوزراء السابق