محمد عبده الشجاع

محمد عبده الشجاع

تابعنى على

من سلم الدولة للهاشميين: قراءة مغايرة للتناولات السطحية

Tuesday 23 October 2018 الساعة 07:06 pm

بعد سقوط صنعاء في ديسمبر 2014م انشغل اليمنيون بأمور الماضي أكثر من المستقبل، سواءً الذين أسقطوا صنعاء، أم أولئك الذي خرجوا خارج البلد هروباً من البطش والتنكيل، حتى المواطن المهتم والمتابع للأحداث.

لا يوجد مانع من التعبير والنقاش والجدل، لكن أن يصبح على حساب؛ كيف سيكون عليه الوطن مستقبلاً، هنا المتاهة والإشكالية.

حتى اللحظة ما نزال نجتر الماضي بصورة مملة، أعني أن الجدل طال دون مخرجات يمكن البناء عليها، وإعادة ما سُلب من حق وكرامة، وتاريخ ومؤسسات، فقدنا حتى رغيف الخبز، وفقدنا أبسط العلاقات وأبسط الطرق للتعبير عن حقنا أمام كل هذا العبث، وخاصة أمام المليشيا المتوحشة.

قيل إن الرئيس "عبد الله السلال"، رحمه الله، هو من سلم الدولة للهاشميين، وقيل بأن من سلمها لهم الرئيس الشهيد "إبراهيم الحمدي"، وقال آخرون بأن المتهم في تسليمها هو الشهيد "علي عبدالله صالح"، فيما هناك من يذهب إلى أن الرئيس الحالي "عبد ربه منصور هادي" هو من سلمها لهم على اعتبار أنه كان حينها رئيس الدولة، وأنه لم يصنع شيئاً لمنع الكارثة، بل كانت له تصريحات مريبة فيما يخص استعادة الدولة.

وفي ظل هذه التجاذبات وهذا الجدل، حشدت مطابخ "المخابرات"، وأصحاب المصالح والمشاريع الجديدة والقديمة ذات الصلة بإعداد العشاء غير الأخير، حشدت جميع قواها وأحقادها وثأراتها وسمومها لتنفثه في جسد الجغرافيا السياسية والاجتماعية اليمنية.

الجميع لم يستوعبوا الدرس بعد، لا من الأحداث القديمة ولا الجديدة، لا القيادات المعتقة ولا المتهالكة، ولا الشابة، ولا القواعد التي ترزح تحت وطأة واقع مفخخ.

لذا يمكن القول إن هناك أخطاء يجب التوقف عندها فيما يخص العلاقات الاجتماعية الاجتماعية وعلاقة المواطن بالدولة والنظام والقانون، إذْ لا يوجد شيء اسمه "تسليم دولة" بالمعنى السطحي الذي يتناوله البعض، هناك قصور في التقييم، وعدم تعاون كامل لبناء دولة حقيقية، قائمة على مؤسسات مستقلة، وعمل إداري لا علاقة له بالولاءات وخاصة الولاءات القبلية والحزبية والعصبية، والطبقية القائمة على أحداث تاريخية، وأحكام فقهية، وتقديرات خاطئة لنظام الحكم، ليس لنا علاقة بها اليوم.

بمعنى أنه من غير الطبيعي أن يظل شخص يعمل في الجهاز الإداري أو المؤسسة العسكرية عقدين من الزمن أو ثلاثة عقود، ثم نكتشف فجأة أنه كان ضمن مشروع انقلابي عصبوي طائفي إقصائي، وأن التحية العسكرية التي كان يؤديها أمام سارية "علم الجمهورية"، وطابور الصباح لم تكن سوى أمر روتيني، لا علاقة لها بوطن موحد ومستقر؛ بعيداً عن الفرز الطبقي والجهوي.

وقد رأينا نماذج عديدة من بيت "الشامي" إلى "المتوكل" إلى "الوزير" إلى "الديلمي" و"الحيفي" و"شرف الدين"، وظهرت وجهات وشخصيات كانت تدعي التحرر، ليتضح حجم الكارثة؛ وهو أن تتخلى عن مشروع الدولة، وترتبط بشخص يقبع في ظلمات الكهف، حتى الجاهلية الأولى لم تكن كذلك.

صحيح أن هناك أخطاء عديدة حدثت في "المسار السياسي" وخاصة بعد تحقيق الوحدة اليمنية المباركة التي كان للشهيد "علي عبد الله صالح" النفس الطويل والدافئ في ترسيخها إلى جانب الرئيس "علي سالم البيض"، وقد بلغ الصراع ذروته، وبلغت الخلافات ذروتها وإن كان أغلبها قائماً على المبالغة والمماحكات؛ إلا أن الأمر لم يصل إلى ما تقوم به اليوم جماعة الحوثي المليشاوية من تفكيك، وتفتيت، وفرز، وفساد، واحقاد، وغلو وتبعية مقيتة، واستهلاك الحياة بصكوك مميتة، وصمود اسطوري زائف.

إذاً لا أحد "سلم الدولة" للهاشميين بالمعنى المتداول، وإنما هناك تفريط وقصور له مدخلاته كما أسلفنا، والجميع كان ينطلق من منطلق المسؤول الأول في الدولة، فحين نراجع خطابات الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح منذ بداية حروب صعدة، حتى آخر خطاب له وهو محاصر في "الثنية" وقبل مقتله بساعات، سوف نجد ما معنى أن تكون رئيس دولة لجميع الطوائف، والطبقات، والناس؛ للأحزاب وللمجتمع ككل.

تعامله مع الأقلية اليهودية، ومع الأحزاب السياسية والقيادات، قراراته بعد حرب صيف 94م، وغيرها من الخطابات والتوجهات المسؤولة، كلها كانت حريصة على وحدة الصف والوطن والمجتمع.

حتى حرصه على عدم الانجرار وراء العدوان بشقيه الداخلي والخارجي، والتماهي معه بصورة باهتة ومكشوفة، العدوان الذي أتى كامتداد للخريف العربي المرير، الذي نجني ثماره اليوم رغماً عن أنوفنا.

اليوم لا تدرك جماعة الحوثي التي سقطت أخلاقياً، أن كل مختطف تلقي به في السجن يقض مضجعها، وسيصبح "يوسف" بعد خروجه؛ خاصة المظلومين وما أكثرهم.

اليوم جماعة الحوثي تذرف الدموع على مقتل الرئيس "إبراهيم الحمدي" معتقدة أنها تستطيع مغالطة الواقع السياسي والاجتماعي المرير الذي صنعته بل زورته.

فقط لو توقفنا أمام جريمة واحدة من جرائمها خلال أكثر من خمسة عشر عاماً، أو حتى خلال الأربعة أعوام الماضية؛ فإنها كفيلة بأن تلقي بها وبسيدها في سحيق الجحيم.

هذا الجماعة التي قتلت "علي عبدالله صالح" ونائبه الشهيد البطل "عارف عوض الزوكا" مع سبق الإصرار والترصد، واعتقلت "علي الشرعبي"، وضربت النساء، وفجرت البيوت، ونهبت الرواتب ومقدرات المؤسسات، كيف لنا أن نؤمن بأنها حريصة على أن تبني دولة، وأن تعمل على تحقيق أبسط فرص العيش لمواطنيها، وأن تحفظ كرامتهم كما يجب، وأن تكون أمينة على كل مواطن ينتمي إلى هذه الجغرافيا.

إن من المفارقات العجيبة أن يسقط هذا البلد بيد عصابة وبمباركة واستماتة ممن حسبوا على "الجمهورية" مجازاً منذ عقود، وعلى المشروع "الديمقراطي" ومشاريع "التحرر"، من أكاديميين وإعلاميين، ومثقفين محسوبين على النخب والنقابات المؤسسية.

والكارثة أن القوى السياسية ما تزال تجتر الشتات، ومعها يتورط هذا المجتمع، ولم تبد حتى اللحظة موقفاً مشرفاً يجمع الأمة من جديد، وينتصر لدماء الشهداء وضحايا الصراع.