محمد عبده الشجاع
الأمم المتحدة وبريطانيا والشأن اليمني
يعتبر "مارتن جريفث" هو المبعوث الثالث إلى اليمن بعد "بن عمر" و"ولد الشيخ"، جميعهم كانوا حريصين على السلام، واجتهدوا في رسم الخطط لتجاوز أي صراع سياسي، أو نشوب حرب، أو حدوث مجاعة إنسانية.
لكن للأسف؛ جميعهم مر من هنا وخلف وراءه أعاصير وموجات قلق وغضب، لم تفلح جهودهم ولن تفلح، لأن الإرادة الحقيقية كانت قد غابت سلفاً، سواءً لدى المبعوثين أو لدى المتصارعين، وحتى لدى الأشقاء الذين هم طرف رئيس في ما يجري لبلد كاليمن.
إذاً، كل شيء باء بالفشل منذ اندلاع ثورات "الربيع العربي"، ما عدا الذي خطط له الأعداء والمتربصون بنا وبوطننا، استطاعوا النفاذ إلى الداخل، وتحويل الشارع إلى ساحات صراع، ومناطق مشاعة، ملطخة بالدم مكدسة بالأرواح، ممزقة الأوصال تبحث عن أقلمة الأقلمة، غير عابئة بما وصل إليه الحال.
لا تبدو بريطانيا وسيط خير، ولا مبعوثها الأممي، الأمر ليس سوى تقاسم أدوار، وإعطاء فرصة للموظفين للتكسب أكثر ومزيد من بدلات السفر، والاستعراض بالمواكب وعليها علامة الأمم المتحدة.
إن استحضار الإنسانية بانتقائية، وبصورة مجتزأة ومزاجية من قبل الأمم المتحدة، يحمل دلالات عديدة أهمها: أن الإنسانية بكل أبعادها ليست الهدف الرئيس للنظام العالمي، ولا حتى للأقطاب والدول التي تقف وراء الصراعات، بدليل البلدان التي مرت عليها الحروب والمجاعات، سواءً في شرق آسيا، أو في الشرق الأوسط، وحتى في إفريقيا، لم تتعاف من وعكاتها التي أصابتها بمقتل، كما أن التعامل مع قضايا الشعوب والدول بطريقة الكيل بمكيالين، يعد نهجاً سيئاً ونزقاً واضحاً على أن أيا من هذه الأقطاب لا تبحث إلا عما يشبع غريزتها ومصلحتها، بدليل قضية "خاشقجي"، وغيرها من القضايا العابرة التي تم التوقف عندها طويلاً، وأفردت لها السياسة العالمية صفحات ومساحات في الشاشات، وكأنها مركز الكون والمحرك الأوحد لكل الشرور، والمعيار الأساس لتقييم حركة هذا العالم وما يدور فيه من صراعات.
قصة واحدة أو مأساة من التي حدثت لأطفال اليمن وشيوخها ونسائها، كانت وما زالت كفيلة لجعل الصخر يتكلم باسمهم وليس الأمم المتحدة، لكن ما الذي تغير أو تبدل؟ لا شيء لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن وجه المستعمر اليوم هو ذاته بالأمس فقط تغيرت المرايا التي تعكس الصورة.
الأدهى من ذلك أن ثمة عدواً داخلياً لديه أجندته ومشاريعه، وهو من يسهل لكل ذلك الخراب، ويفتح أبواب الابتزاز مشرعة أمام الخارج، ويمنح الفوضى ألف فرصة للاستمرار، كي يقتات منها دون مبالاة بالمعايير التي تشكل نهضة البلدان، وتمنح الإنسان كرامة غير منقوصة ولا مجتزأة.
إن بريطانيا هي إمبراطورية الجحيم، وتاريخها مليئ ومشبع بالنماذج السيئة، ولا يمكن لها أن تكون محضر خير على الإطلاق، وكذلك هي الأمم المتحدة، الحلقة الأضعف في المشهد، والأداة الطيعة لتنفيذ الأجندة، وتمرير المخططات المرسومة.
السلام هو ما ستفرضه أقدام الأبطال، واليقين هو ما سترسمه الجباه، وتسطره السواعد في أرض المعركة، وما ستنضجه عقول المتطلعين إلى يمن خال من الأخطاء الفادحة التي أدت إلى كل ما يجري اليوم، وما دون ذلك، يعني مزيداً من الفشل، ومزيداً من الجحيم.