محمد عبده الشجاع
اتفاقية السويد... وحتمية العبور إلى الحياة
لم تكن اتفاقية السويد التي تركزت حول مدينة الحديدة ومينائها، الورقة التي خيبت آمال الكثير من المراقبين، وكذلك المواطنين، بل إن هناك مثبطات أخرى، منها غموض دول التحالف، وضعف قرارات حكومة الشرعية، وغيرها من المسارات التي بدت غير واضحة ولا مجدية.
كل ذلك يحدث ليس لأن الناس لا يريدون إيقاف الحرب والذهاب نحن السلام، وإنما لأنهم يدركون أن "الاتفاقية" كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وأنها ليست سوى التفاف على معركة؛ كانت على وشك أن تحسم، وتوجيه المسار نحن تثبيت المليشيا كسلطة، وتعطيل كل القرارات والاتفاقات السابقة، وترك الملفات العالقة والمصيرية مفتوحة أمام كل الاحتمالات.
اليوم كل شيء يبدو غير طبيعي، ولا مألوفاً؛ على الأقل منذ قيام الوحدة اليمنية قبل 28 عاماً. تعقدت الحالة اليمنية في السنوات السبع الأخيرة، وتداخلت ملفاتها إلى درجة اليأس ونفاد كل الحلول الناجعة.
مشهد اليوم لا يبدو أكثر من جنازة، سيتم تشييعها لمسافة طويلة قبل أن تصل إلى مكان الدفن.
لقد حددت مفاوضات "استكهولم" الكثير من الأمور الملتبسة، وقد كانت الحديدة مربط الفرس، على الأقل عرف ما الذي يحاك تماماً، وكيف تصرفت حكومة الشرعية ممثلة بوزارة الخارجية، وبرود القوى السياسية وتشرذمها، وشفافية التحالف الملتبسة، وخبث الحوثي وغبائه المستفحل في الوقت نفسه.
المفاوضون جميعهم امتطوا صهوة الوطن، وظهور المواطنين، وهم على أرض الواقع مستعدون للتفاوض حتى نفوق آخر مواطن يمني، بمعنى أن كل فريق ذهب "للسويد" حاملاً أدوات الدفاع عن مشروع وفكرة ما، لا أكثر، وهذا أمر بديهي وأبعد شيء يمكنهم القيام به، لأنهم مقيدون ببروتوكولات محددة سلفاً، وربما أدوات ضغط وقناعات جامدة، وتحديداً وفد صنعاء.
أحد من هؤلاء لم يستشعر حجم الألغام التي تم زراعتها، وكذلك التي ما زالت تعد في المعامل، قضية المعتقلين والأسرى، الملف الاقتصادي، والحالة الإنسانية المتردية، ارتفاع معدل الجريمة، وظهور العديد من المشاكل الاجتماعية، والتجاوزات التي صاحبت سقوط النظام، وأخيراً وليس آخراً، السيادة والتفريط بها والتي كانت بالأمس شعار كل الجماعات، لتصبح اليوم كلاماً على ورق.
يبدو أن الجميع عاجز عن حلحلة كل تلك القضايا وهي إجمالاً قضايا مصيرية، لا تحتمل التسويف ولا التأخير أو المقايضة.
من المؤسف حقاً أن يصل اليمني إلى ما وصل إليه، على مستوى المعيشة، والهجرة، والاغتراب، والنزوح، والموت اليومي، والبحث عن المكان والزمان في اللاّ جدوى، وكأننا أمام مشهد دراماتيكي فانتازي في إحدى الروايات، ومع ذلك ما زال الجميع متمترسين خلف رؤى ثورية؛ فشلت منذ اللحظة الأولى، وشعارات لم تكن سوى فخ للوقوع في أسوأ مصير.
يمكن لأحدهم، أحدنا، إحداهن، فقط الجلوس مع نفسه وتخيل شريط الأحداث، ثم وضع تصور لأحداث مغايرة، ومدخلات مختلفة، ثم عليه أن يرسم المخرجات.
عموماً.. علينا أن ندرك أن العبور إلى الحياة حتمية لابد منها، وأن الذي يجري اليوم بين المواطن ومليشيات الحوثي، أمر لا يجب أن يستمر أبداً، لأنه خارج أحلامنا جميعاً، ومستقبل أبنائنا، وهذا يسري على الفوضى التي أنهكت الجميع عموماً، وعلى البلد برمته ألا يستسلم لهذا الغبار الحامل لكل الفيروسات القاتلة.
اليمنيون ليسوا قلة، ولا ضعفاء، اليمنيون فقط بحاجة إلى البر بالحقيقة، والتشبث بالروابط، بعيداً عن الارتباطات الساذجة، والقيود الفكرية العتيقة.
اليمنيون بحاجة لتوحيد الجهود من قبل أصحاب القرار، ومحاولة إيجاد نموذج دولة، لمواجهة كل النماذج التي تعبث بالمشهد السياسي، وتحمل المسؤولية الكاملة، أمام تردي الحالة الاقتصادية، والإنسانية، في معظم محافظات الجمهورية، ومواجهة الأزمات الخانقة التي تعصف بالمواطن، خاصة في المحافظات القابعة تحت سلطة مليشيا الحوثي.