هو ذلك تماماً ما يخترق عقلك دون استئذان.. هو اليأس العفن الذي يستحوذ على منابع الأمل ومكامن الفرحة بداخلك.. فتتلاشى الرغبة في الابتسامة.. ويصبح الميل الى الحزن ثقافة.
وأحيانا يكون اليأس نتيجة لأمر واقع مفروض، بكل وقاحة وظلم وعنجهية، وفي ظل تفكك المجتمع لا يبقى للأمل متسع ولا يلوح له في الأفق أي بارقة.
لذا يكون اليأس هو العنوان والنهاية المحتومة، كما هو حال المواطن اليمني في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثي في ظل خذلان ما تسمى الشرعية.
تتشكل هذه الثقافة "ثقافة اليأس" ومعها أمور بسيطة لا حيلة لنا معها.. التوجه العام أو ما يحب علماء الاجتماع أن يسموه بالعقل الجمعي داخل المجتمع... ويصبح للألم لذة.. ونبدع في الموسيقى الحزينة وفي الدراما المبكية.. وفي استدعاء الأحداث الكئيبة مما مضى.
أنا هنا لا أزخرف ولا أتفلسف.. همي الوحيد الآن أن أخبر بوضوح غير متعنت عن شيء نرتديه دون أن ندري بفظاعة ما نفعل.
ويجب أن أذكر هنا أن حديثنا حول فنجان قهوة لا تكتمل حلاوته إلا بالحديث عن عيوب الآخرين وحزنهم.
وفي لحظة الأمل الوحيدة العابرة نبيع وهما خبيثا.. وهما مقدسا بانتظار المنقذ.. بانتظار القائد المخلص... فيجد الحزن مبررا لوجوده كعامل يستدعي حضور الوعد "الشرعوي" المزعوم المكذوب بفعل تلاعب الواحد للآخر.
يجب عليّ أيضا أن أخبر أن آباءنا وأمهاتنا مع قداستهم الفطرية بنا.. لا مانع من أن ننتقدهم عما انتجوه بنا.
إن وجود ملايين من البشر عاجزة أن تنظم أطر حياتها بشكل يليق بالانسان دليل قاطع على شرعية انتقاد الأمهات والآباء... انهم في الغالب عانوا بشكل جميل في تقديم الغذاء لنا.. وهو فعل نضخمه بشكل طوباوي.. ونحن في ذات الوقت نعلم بما لا شك فيه ان القطة تفعل ذات الشيء مع اطفالها.. فما فعله آباؤنا لا يتجاوز فعلا مصدره الفطرة التي تشترك معنا فيه كل الحيوانات.
أما الفعل الإنساني فهو في جعل الحرية والعدل لا تقل أهمية عن الطعام والهواء.
إنني وانا اتعايش مع الظلم والقمع دليل على فشل تربوي إنساني من الآباء نحو الأطفال... وعدم وجود اهتمام حكومي بخلق ثقافة وطنية مستمدة من الجذور السبئية الحميرية اليمنية.
وها نحن ومثلنا "الدولة" نقر الأمر، ونواجه الداء "الحوثي" والثقافة "الاصطفائية" بقلة اكتراث لا يمكن أن يصدقها عقل انساني واع.. ولن نرد على هذا الكلام وسنرفض أي إشارة تجعلنا قادرين ان نتفاعل بما يتوجب علينا التفاعل معه والقيام به.. وسنتجاهل الأمر تجاهلاً كاملاً ونتمم يومنا الذي يشبه البارحة ويطابق الغد.
سنخرج للشارع ونقدم ابتسامات وتحيات كاذبة.. وتدعو كل أسرة أبناءها وبناتها بأن لا تخبروا عن مذلة ومهانة وتحقير وتقزيم، وطبقية وعرقية، وبعض الفتات الذين يرون انه نعيم رزقوا به خوفا من حسد الجار والعمة والخالة...
لا مناص من الروتين المذل في صنعاء ومحافظات القمع الحوثي، نصلي جميعا ونبكي.. ونغادر الجوامع التي تتكدس أمامها أحذيتنا وقت الصلاة بضوضاء تعادي فعل الإيمان بالقلب والعقل.
إن هذا السلوك عجيب. وغريب الى أقصى حدود الغرابة... هكذا تماما حين نلعن الغرب ونحن نتصل باخواننا المؤمنين العرب بهواتف صنعها الغرب الملعون.
اسمحوا لي أن أقول دون حياء ودون رعاية للمشاعر الميتة أصلا، فمن يحمل أدنى شعور لا يصبر على ما هو كائن... إنكم ستموتون جميعا.. لتستفيقوا على حقيقة مفادها أنكم كنتم العفن الوحيد الذي كان يدب على وجه الارض.
هل هذه قسوة يا احبتي؟!! انها لب الود والمحبة والاحترام.. وانني لن اسقط في جحيم تناقض الذات.
لهذا فأنا اخبركم انكم وانا معكم مخلوقات مشوهة، ندعي الحرية ولا نسعى للخلاص ممن يقمعنا...
اسمحوا لي أن أخبركم.. أعني أن أنبهكم أو قولوا إني أرجوكم بإلحاح بأن لا تغضبوا مني.
فالعفن حين ينتبه له لا يتجاوز أن يكون حدثا عابرا بمجرد إزاحته....
وفي النهاية التي ليست إلا بداية.. عناداً واصراراً أو حنقا وغيظا.. لقد ارتطمنا بالقعر.. ودوي الارتطام أنهى صداه.. ولم يبق إلا ريح العفن يملأ صدورنا الحمقاء..