ربما يكون من الترف الحديث الآن عن الموسيقى بينما بلادنا ما زالت تنزف في عدد من مناطقها التي تنام وجلة من أعباء طريق حرب طالت، فلا سلطة للدولة على مداخلها، ولا أمن بين بيوتها.. ألم يتبعه ألم، ومزايدات ورياء سياسي لم نخلص معه إلى طريق بعد، ويا ليتنا نصل!
تتلاشى الإنسانية ومشاعرها في ظروف الحرب، وتحل محلها حسابات ضيقة وطمّاعة، وبعض من صنّاع القرار يتاجرون بقضايا وطن منهك بين شرق وغرب، فنكون أحوج ما نكون في هذه الظروف إلى نافذة للحياة وطاقة نتنفس من خلالها فتعطينا أملاً وتعيد إلينا بعضاً من آدميّتنا المبددة، وتجدد أفكارنا عن ذاتنا ومستقبلنا، روح الفن والموسيقى ربما تعيدنا إلى إنسانيتنا وتوازننا الطبيعي.
رسالة الفن عظيمة، والموسيقى في مرّات كثيرة حملت رسالة الإنسان والأوطان، ولفتت أنظار العالم في ظروف حرجة، فهي من أدوات الحرب والسلام معاً، لا تغفل عنها الشعوب الحيّة.
حفل الموسيقى الحضرمية الذي شهدناه الليلة في العاصمة الماليزية كوالالمبور يمثّل بارقة أمل في زمن الجدب، وهو جهد شبابي يستحق الإشادة والرعاية، لكن أملنا من القائمين عليه أن لا نكتفي بإقامة الاحتفال مرة واحدة عابرة وبعدها نتوقف!
ينبغي أن تكون هذه الاحتفالية انطلاقة لتأسيس معهد أو مؤسسة للفنون، ولتكن حضرموت سبّاقة كعهدنا بها، فهي الزاخرة بالموروث الموسيقي الضخم والعديد من المواهب الفنية والإبداعية التي هي بأمس الحاجة إلى كيان مؤسسي يحتضنها ويقدم الرعاية اللازمة، وهو نموذج من الممكن أن ينسحب على كل المحافظات، فالبلاد منجم كبير للمواهب الشّابة الطموحة في مختلف المجالات الفنية والإبداعية.
لن تثنينا الحرب وطول أيامها عن أن نحيا، ولن تنشغل طاقات شبابنا المبدع والخلاق بانشغالات النخب السياسية، وسنكون حيث الموسيقى هذه الأيام، فالأشرار لا يغنون.
* من صفحة الكاتب في (الفيسبوك)