محمد عبده الشجاع
حزب الشماعات.. والذاكرة المثقوبة
الحزب الذي أضاع دولة، ومزق نظاماً وهيكل جيشاً، وعجن مجتمعاً موحداً، وسخر حتى منابر المساجد للشحن والفوضى، واستحضر الصحابة في أحلامه، وادعى أن الأنبياء جاؤوا يظاهرون معه، وألهم جماعات مسلحة كجماعة الحوثي، للسيطرة على مقدرات بلد وطَرْد كل خصوم الرأي والتوجه؛ في السياسة والثقافة والدين، لا يمكنه أن يعيد حق مواطن تعرض للتهجير أو الابتزاز من قبل جماعات عابثة أساءت لنفسها قبل أي شيء.
ما الذي يمكن أن تقدمه منظومة الإخوان المسلمين لأبناء الشمال، غير النحيب على أبواب الفضائيات، والمواقع الإلكترونية، واستغلال الحدث برمي التهم وتصنيف الآخر بأنه خائن وأنه يتبع الجهة الفلانية والدولة العلانية.
دائما ما تكون الوطنية الزائفة هي المدخل السيء لمعالجة القضايا، وردم الهوة بين أبناء المجتمع الواحد، حيث تصبح شماعة لدى بعض الكيانات لتمرير مشاريعها المستقبلية.
على الجميع أن يدرك أن حل القضايا السياسية والمجتمعية لا يأتي بالمعارك الجانبية، والشحن الأقرب للتصادم، والجنوب لا يحتاج للمزايدة كما هو الشمال أيضا، بقدر ما هما بحاجة إلى إيجاد مخرج لجغرافيا تهددها أفكار ظلامية، وعصابة حملت السلاح في وجه السلام، وتحاول أن تلتهم المستقبل من عيون الأجيال.
ما لم نستوعبه حتى اللحظة مما حدث من تصرفات من بعض المحسوبين على الانتقالي، أن المسائل الإنسانية لا تقبل المبالغة، مثلما أنها لا تقبل السكوت عليها أبداً، بيد أن الأمر بحاجة لمعالجة جذرية إذا تهيأت الظروف، وتجاوزت كل الأطراف الاحتقان الحاصل، لأن المواطن الفرد لا علاقة له بالصراع السياسي إلا بما يتم توظيفه من قبل المتصارعين.
والسؤال هنا أين الذين خاضوا غمار المعارك والمظاهرات منذ 2011م وحتى الصراع مع جماعة الحوثي التي انتهكت كل قوانين الدنيا؟ الجواب ماتوا في عواصم الدول كجرحى، والبعض يقضي بقية عمره معاقاً، وآخرون تم التنكر لهم تماما واكتفى القادة المتسلقون بالكتابة على قبورهم شهداء، وكأنك يا بو زيد ما غزيت.
وهذا ليس تبريراً لتصرفات الانتقالي، غير المقبولة من أي طرف سياسي أو إعلامي أو قبلي؛ يؤمن بحق الحياة للجميع، وإنما قراءة لتجنب الشحن وتحميل الواقع ما لا يحتمل.
هناك قضايا يشيب لها الرأس وتستحق التوقف على ساق واحدة، لكن هناك إعلام بكل مشاربه وأدواته يستطيع منح كل قضية نصيبا من الزخم الذي اختاره هو لا القضية نفسها، وهو الذي يقرر نصيب كل قضية بغض النظر عن حجمها وبعدها.
أين الإعلام من مسألة المراكز الصيفية التي تديرها مليشيا الحوثي، والتقارير تشير إلى أن 670 ألف طفل مسجلون في هذه المراكز، وهم من أبناء الشهداء وغير الشهداء، وفي جميع المحافظات التي تحت سيطرة الجماعة.
ألا تحتاج هذه القضية لوحدها خوض معركة على كل الأصعدة لاستعادة جيل كامل يتم تفخيخه بأفكار مسمومة، هذه واحدة من القضايا التي تستحق أن نتوقف أمامها من الناحية الإنسانية والوطنية والدينية.
هكذا سيستمر حزب الشماعات في إيقاظ الموتى لتحميلهم تبعات لا علاقة لهم بها، وتغييب قضايا جوهرية ومصيرية فقدت بريقها؛ فقط لأن ذاكرة البعض مثقوبة.