فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

ناس خبرتهم

Monday 12 August 2019 الساعة 02:51 pm

عندما كنت أعلم الأولاد في ثانوية الثورة ببلدة الراهدة قبل نحو ثلاثين سنة، كان الشيخ ياسين يكثر الكلام عن معايب ومشكلات المجتمع الإسلامي.. كان لديه يقين أن الإسلام هو الحل، ويقول لنا إن تطبيق الشريعة الإسلامية هو أساس كل شيء.. لو طبقت لصلح الناس، وأمطرت السماء، وشاع الرخاء كما كان الحال في عهد السلف الصالح.. قلت له: طيب، والظلم وغياب العدالة وتعطيل العقول وحظر الحريات وعدم المساواة والفقر التي شاهدها المسلمون في عصر السلف الصالح هل كانت من ثمار تطبيق الشريعة؟ تجهم، فقلت له: ثم خذ هذه، أبو بكر الخليفة الأول للنبي محمد عليه السلام حارب مسلمين وصادر أموال بعض منهم وسجن آخرين بسبب امتناعهم عن الالتزام بدفع الزكاة الشرعية، فجاء بعده الخليفة عمر بن الخطاب ورد إليهم أموالهم وأطلق أسراهم فأي منهما كان يطبق الشريعة؟ وهذا الخليفة الثالث عثمان بن عفان قال إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وهو بهذه جعل شرع السلطان أقوى من شرع القرآن.

وقال أبو الدرداء من يشهدني في معاوية، أقول له قال الرسول، وهو يرد برأيه.. وذلك أن الحاكم الأموي معاوية بن ابي سفيان باع سقاية من ذهب بأكثر من ثمنها فقال له أبو الدرداء سمعت الرسول ينهى عن ذلك، فرد عليه معاوية يقول: ما أرى بهذا بأس.. ومن جانبهم وضع الفقها قاعدة فقهية مؤداها أن النصوص التي تسري على مرتكبي مفسدة معينة ينبغي أن تعطل إذا كان تطبيقها سوف يؤدي إلى مفسدة أكبر، وابتكروا قاعدة درء الحدود بالشبهات، لمساعدة المخطئين على الإفلات من العقاب، فالسارق لا تقطع يده إذا سرق المال غير المحرز أو سرق من مال ابيه مثلا، أو سرق خمرا أو تمثالا.. والنقاب ليس من الشريعة لكن بعض الفقهاء جعلوه فريضة شرعية.. وتعليم البنات من الشريعة لكن بعض الفقهاء حرموا تعليم النساء، وقال قائلهم التعليم للرجال ولهن منهم أن يبتن على جنابة.

وذكرت لعلي أسعد- وهو واحد من قرابتي- أن كل أصحاب العقائد السماوية والأرضية يؤمنون أن عقائدهم صالحة لكل زمان ومكان، فقال: لا.. الإسلام فقط هو الصالح لكل زمان ومكان.. قلت: تعتقد يا أخي لماذا هي باقية إلى اليوم إذن، بينما بعض منها مثل الهندوكية أقدم من الإسلام بعشرات القرون؟ قال: الضلالة.. قلت: الضلالة هي التي جعلتهم يتمسكون بها، إذن كان عليهم أن يهملوها قبل ألف سنة.. حسنا، لماذا لا يهملوها اليوم وهم فرسان العقلانية والتكنلوجيا؟ قال: مأواهم جهنم!!

ولقيت ظهر ذات جمعة رفيقي القديم محبوب بعد خروجه من المسجد، وكان باهر المحيا، وراح يخبرني بما سمع.. إن صاحب بيت مال المسلمين في عهد الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز كان يرسل إلى المدن والبوادي رجالا مثقلين بأكياس النقود، لكي يوزعونها على المحتاجين، وبعد أن يوزعوا منها ما شاء الله يتبقى من المال كثير، لكن قبل عودتهم يحرصون على إطلاق نداء في الناس أن بقي فيهم ذي حاجة فليأت لحاجته؟ فلا يجدون صاحب حاجة، وعندها يردون الصرر المتبقية لصاحب بيت مال المسلمين. قلت له: يا رجل، ما كل ما سمعت أو قرأت تتقبله هكذا، لا يوجد مجتمع ليس فيه فقراء، في أي عصر من العصور أو بلاد من البلدان من يوم وجدت البشرية إلى هذه الساعة.. أرجوك كن أعقل.. وكان رده أنه حدثني عن عمر بن عبد العزيز الذي رد العدل واعاد الجواري والقيان لأهلهن وأودع الخيول المطمهة والذهب وما خلفه ملوك بني أمية قبله إلى بيت مال المسلمين.. قلت وهل علمت أن الحاكم الذي جاء بعده ألغى قرارات عمر واعاد الوضع الى سيرته الأولى؟

وذات يوم كان المطوع سلطان قبالي في مجلس قات يحدث القوم عن الدبور الذي حاق بالمسلمين بسبب المعاصي، وزاد أرجع أسباب مشكلاتنا إلى الغزو الثقافي الأوروبي والأمريكي، قلت يا شيخ أنت تسجل الآن شهادة ببراءة المجتمع النرويجي من المعاصي، فالناس هناك أمورهم تمام التمام.. ثم أن الغزو يكون بقوة السلاح وليس بالثقافة التي تتبادلها الأمم هل علمت أن كثيرا من ألفاظ القران رومية وفارسية وحبشية، وأن عشرين في المائة من ألفاظ لغة الأسبانيين اليوم عربية؟ هل تعلم أن عمر بن الخطاب أخذ بالنظام الفارسي في تنظيم الخراج وتدوين الدواوين، وأن الملوك من بني أخذوا الآداب السلطانية المتعلقة بشروط وأخلاق الحاكم والمحكوم والعلاقة بينهما.. وعهد أردشير الذي وضعه أردشير الأول، مؤسس الدولة الساسانية في فارس، قبل الإسلام بأكثر من 800 سنة، جعله الملك العباسي المأمون في مرتبة واحدة مع القرآن، إلى جانب كتاب كليلة ودمنة الذي كان العمدة في تعليم ولاة عهده..

مرة كنا نتجادل حول الأحاديث المنسوبة للرسول محمد عليه السلام، فقلت إن الإمام الدار قطني كان يقول: ما الحديث الصحيح إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وأن إمام المحدثين أبو بسطام شعبة بن الحجاج، كان يقول إن تسعة أعشار الحديث كذب! وأن أحيد بن أبي جعفر، والي بخارى حكى عن البخاري أنه قال: رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر.. فقال له أحيد بن جعفر: يا أبا عبد الله: بكماله؟ قال: فسكت البخاري. وقلت: أنظروا لو أن واحدا منا اليوم قال إن هذا الأثر يخالف المعقول أو حتى يخالف القرآن، سوف يطعن الجهال في دينه.. فرد عليا جاهل: (أيوه) هو حديث حديث!!