عندما قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ارتفعت معها آمال أبناء الشعب شمالاً وجنوباً، وكبرت أمانيهم بِكِبر أهدافها التي نصت على إقامة حكم جمهوري عادل، وبناء جيش وطني يحمي البلاد، ورفع مستوى الشعب اقتصادياً وثقافياً...، إلى باقي أهداف الثورة الستة المعروفة.
هذه الأهداف بقيت تزين صفحات الجرائد وتضمها مناهج طلاب المدارس فحسب، دون أن نراها واقعاً منذ الاحتفال الأول بالثورة، والأغرب أن تتغنى بها أطراف كانت وما زالت تناقض أهداف الثورة فكراً وفعلاً.
ثورة 26 سبتمبر التي غرست نواة الجمهورية تشوهت بحالة العنف التي اتسمت بها البلاد شمالاً وجنوباً دون تصحيح مسارها بالعدالة الانتقالية، وها نحن نضيف إلى ذلك العنف عنفاً بتحديات وتعقيدات أكبر، سيحتاج إلى جيل كامل لتجاوز آثاره، وقد يعيدنا إلى مراحل يفترض بأننا تجاوزناها.
اليوم تحاول مليشيا الحوثي الانقلابية العودة بالزمن إلى ما قبل الثورة، فهم يسعون للقضاء على الجمهورية وإن أبقوا على تسميتها، فهي في "ملازمهم" جمهورية على الطريقة الإيرانية بنظام إمامي، وهو الأمر المستحيل في بيئة بعيدة كل البعد عن توجهاتهم ولا تتفق مع أهدافهم المذهبية والطائفية.
محاربة حقيقة الجمهورية وروحها باسم الجمهورية "المزورة" ليس منهج الجماعة الحوثية فقط، بل سبقهم في ذلك ما تسمى الأحزاب السياسية وأنظمة الحكم في اليمن شماله وجنوبه.. فيسعى كل طرف لفرض الجمهورية بحسب رغبته وعقليته، منهم من أرادها في حكم الخلافة الإسلامية وإن لم يعلن ذلك، ومنهم من احتكر الجمهورية في قبيلته وأسرته، وآخرون احتكروها في أيديولوجيتهم، فهم الجمهورية ومن خالفهم فلا!!
كل طرف يرى الجمهورية بمنظوره وليس بمنظور المواطنة الحقيقية.. وما زلنا بنفس العقلية وإن تغيرت الأدوات، بل ظهرت فصائل جديدة آخر ما تؤمن به هو الجمهورية والحدود الوطنية.
ونحن نمر بذكرى سبتمبر المجيد اليوم، نترحم على أرواح شهدائه الأبرار ونقف من أجل نضالهم الكبير، ونتطلع في شباب بلادنا خيراً بأن يستأنفوا السير لتحقيق أهداف الثورة "المعلقة"، بعيداً عن الشعارات، وعن القوالب السياسة الفاشلة وشخوصها التي أدمنت الفشل، وإن تشدقت باسم الثورة وأصدرت البيانات الرنانة، فلا حاجة للتعويل عليها وقد سرقت الكثير من أعمارنا دون جدوى أو بصيص أمل.
في ذكرى الثورة نسعى لإنارة العقول والدعوة إلى الاستفاقة، بدلاً من إنارة الشعلات ومظاهر الاحتفال الزائف.
*من صفحة الكاتب على (الفيس بوك)