منذ شهر 11 وأنا أرتب قائمة سميتها كشف حساب لعقد من عمري، هكذا جاءت لي الفكرة. وحين رتبت حساب كل عام على حدة، ووجدت بأن رأسمالي محاولات مستبسلة، وخيبات وآلام كبيرة، وأمراض وأحزان.
وجدت بأني بيقت حيا ومتماسكا بعض الشيء من بين كل هذه المسيرة المؤلمة والمعقدة قد يعد بذاته انجازاً عظمياً، ولله الحمد والمنة على كل شيء.
نصف عام 2018، وعام 2019 كاملاً، كانا في الكتابة المنتظمة، وإن كنت بالفعل كاتباً مغموراً، فقد كان صوتي مرتفاً جداً.
كان صوتي مرتفا وواضحا نابعاً من آلام كبير بداخلي، كان صوتي مرتفعاً أو ايقاع الصوت مختلفا، أو رأيي مغايراُ.
عام كامل كنت أصرخ عبر كتاباتي مع الحرب، وفق طريقة معينة، مع السلام، وفق رؤية محددة، مع النقد مع المراجعات، مع تغيير طريقة التفكير، مع عدم المبالغات.
لاشيء ستحدثه كتاباتي ولاكتابات غيري، ولا أدعي أي بطولة، وانما أقول أني كنت أتالم بوضوح وصدق بعيداً عن الزيف والنفاق، فقد نقدت الجميع نقداً لاذعاً، وجربت كل أحلام بشر بها أحد أطرف، ولم تكن أكثر من وهم، كما هو رصيد وتجارة الجميع بيع الأوهام.
إن الحقيقة المرة هي أكبر من أن يحسم القضية، انتصار طرف ما على طرف آخر أو حتى على الأطراف الأخرى كلها، المسألة أعمق من هذا بكثير.
وبالتالي فالمراهنة على الحرب هي مراهنة خاسرة، ليس لأن النصر العسكري بات مستحيلاً لأي طرف، وإنما لأن المشكلة الأساسية التي ينبغي أن يحاربها الجميع هي طريقة التفكير المتخلفة، التي سوف تحول النصر إلى هزيمة، وبناء العقلية التي تكون قادرة على تحويل الهزية إلى نصر.
عوامل تجريف الهوية الوطنية والمبدأ الاخلاقي، قضايا متأزمة ومتراكمة، ونحتاج إلى مصارحة وشفافية بالاعتراف بهذه الأمراض ونقدها بالطريقة التي تعيد إصلاح الأمر كما ينبغي.
لست أقول أن لا طريق أمامنا إلا طريق السلام وحسب، فسبق وأن قلت بأن السلام اليوم ليس حلا بديلاً لفشل الحرب، وانما السلام معركة أشد وأكثر خطرا، ولا بد بأن يعي الجميع هذه الخطورة.
نعم أنا كاتب مغمور، هذه هي افكاري البسيطة والمتواضعة، لكن لا بد بأن أقول لك بأني لم أصل إلى هذه القناعات من فراغ وإنما قد جربت كل المسارات، وأمضيت عمري لهثا وراء الأحلام، محاولاُ التزام المصداقية الكاملة مع نفسي ومع الآخرين.
أعيش بإحساس أن أمراض ومشاكل وعاهات البلد، هي أمراض وأورام أحملها بجسدي وروحي، وأفتش بين كتب التاريخ وتأملات الواقع والتجارب، عن العلاج الذي يشفي كل هذه الجروح.
أنا كاتب بلا جمهور يصفق لي، ولكني لا أجد في الأمر مرارة، بقدر ما أجده مواساة لطيفة لي. وأن هذا هو الأمر الطبيعي بالنسبة لي ولأفكاري. لأني أعتقد بأن الأكثر بؤسا بأن أكون كاتبا ولي جمهور عريض، وليس هنالك وطني لي ولا هذا الجمهور.
أبحث عن وطن لا عن جمهور.
أسهر ليالي حزينا متألما مصابا بكل الخيبات أبحث عن: وطن، عن فكرة، عن ومضة أمل، عن طريقة انتزاع الحقائق والأمل من بين براثين اليأس وتزييف الكهنة والدجالين.
وأعتقد بأن ماقدمته ب2019 كانت محاولات أولية، مقارنة بما سوف أعمل على تقديمه، إن شاء الله ب2020، من قراءات وافكار جديدة، بدأت تتبلور ملامحها.
وأخيراً لا يمكن بأن أنسى تقديم شكري وامتناني، للاستاذ نبيل الصوفي، الذي دفع بي في مسار الكتابة المنتظمة، وشجع جرأتي ومحاولاتي واختلافي عن الجميع، وتحمل كثيرا من أخطائي وسوء تصرفاتي.