عبدالفتاح الصناعي
الوحدة بين المثالية والعبث والانفصال كثورة وواقع!
الوحدة كفكرة مثالية تحتاج إلى السياسات والسلطات المثالية لتحقيقها، مالم فهي تنقلب إلى مشكلة حقيقية، فتقوضها تراكمات الأخطاء من داخلها، وتنقلب إلى مجرد شعار لممارسة الفساد والعبث والتبربر لكل الاطماع والإخفاقات والعجز. وبالتالي تتخلق الدعوات للانفصال ليس إلا حركات ثورية لمواجهات أزمة هذه السلطة بمشاكلها القديمة والحديثة، فتخفق هذه الحركات وتفشل وتلتقي مع سلطات الوحدة وتختلف، وتتطرف هنا وهناك، وتتشعب الطرق وتغير المسار الثوري إلى سياسي، والعكس، وعلى كل حال تظل نارا مشتعلة ولو من تحت الرماد.
هذا في ظل الظروف الطبيعية جدا، أما ما حدث ويحدث اليوم فهو الأغرب!
فهم وحدويون متفاخرون مغرورن في الوقت الذي لم يعد فيه بلد أصلا، حاصرين الوحدة بالجنوب في الوقت الذي يحتاج الشمال لإنقاذه من أزمته الشمالية شمالية اولا. ثم لإعادة الاعتبار لكل ما ارتكب من الاخطاء والسياسات تحت اسم الوحدة من المظالم المختلفة، ناهيك عن جرائم الحروب التي حدثت.
تتهرب الشرعية وحلفاؤها واتباعها من مسؤولياتهم نحو الشمال والجنوب تحت مبرر الوحدة، عجزا عن القيام بواجبهم نحو الحرب والسياسة، والإدارة، والخدمات، واستمرار الفساد المستشري داخل الشرعية من على أرض الجنوب.
قد تختلف مع الانتقالي في كثير من الأمور، لكنك قد لا تشك بأن ما يقوم به هو ثورة حقيقية في وجه شرعية عابثة وفاسدة وعاجزة. وعلى الأقل تصحيح للشرعية وإيقاظها من غفلتها. كما كان الحراك الجنوبي منذ انطلاقته الأولى ظل يمثل ثورة ضد فساد الدولة شمالا وجنوبا، -رغم المنحنيات- وإن كان للقضية الجنوبية خصوصية أكبر.
بالوقت الذي كل الأحداث التاريخية تحتاج إلى إعادة قراءة وتقييم وتحريرها من كل ما شابها من التحريفات والاستغلال وإعادة استجلاء الحقائق، والتكفير عن الاخطاء والأوهام التي ارتكبت بإعادة تصحيح المسارات وتطوير الأفكار والمفاهيم الوطنية. تجدهم اليوم يطرزون مقالاتهم الإنشائية عن الوحدة في مغالطة مفضوحة وواضحة لكل الحقائق التي اتضحت على الواقع، وظروف الحال التي تستدعي بالضرورة تغيير طريقة التفكير القديم المتأزم؛ بحثا عن الحلول الممكنة، بدلا من الغرق في أوحال هذه الأزمة بالتمترس بطريقة التفكير السابقة التي أنتجت كل هذه المآسي.
قد أكون ككاتب شمالي، أقف مع فكرة الانفصال السلمي الآمن تحت مسيرة نضال سياسي جنوبي وطني محترف ومتدرج، وأتفهم ما حدث بالجسد الجنوبي وما هو حقهم من الدفاع المشروع عن أنفسهم وقضيتهم، ومع هذا فإني لا أتجاهل ولا أغض الطرف عن ما هنالك من منطق ووجهة نظر، في المحافظة على الوحدة سلميا. بإعادة تصحيح كل الاخطاء القديمة والحديثة وانتزاع المشاكل من الجذور. لكني أدرك حقيقية هذا الاختبار الصعب جدا، فمن يرفعون شعار الوحدة ما زلوا يتجهون نحو العنف واستمرار نكء الجراح باجتياح عدن ونشر التفرقة بين أبنائها.
ففكرة وفلسفة المحافظة على الوحدة، تحت مبرر بأنها بكل أخطائها هي تقدم للأمام. هي من الناحية الأخرى تدعو للعنف والعدوانية والاستمرار في جعل الوحدة شماعة لكثير من تبرير وتمرير السياسات والأطماع المختلفة.
فإذا أردتم الوحدة حقا اصدقوا مع أنفسكم وصححوا الاخطاء السابقة والحالية، حرروا الوحدة من الاستغلال السياسي، حرروها من الفساد والعبث والعجز التي تغرق فيه الشرعية اليوم بعدن، وبعدها لن تحتاجوا للحرب من أجل الوحدة ولن تحتاجوا لمثل هذه الشعارات. ولكن حين يظل هذا أمرا بعيد المنال وحلما من نسيج الخيال، فإن شعار الوحدة يظل هو المتهم الأساسي لاستمرار العبث والفساد وتأجيج الأزمات أكثر. وبالتالي فلا بد بأن يكون هنالك موقف واضح نحو شعار الوحدة.