حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

عقلنة الفهم الديني

Tuesday 02 June 2020 الساعة 08:10 am

يميل الناس لأن يكونوا عقلانيين قي تقييم ديانات الآخرين، لكن هذه العقلانية تختفي عندما يتعلق الأمر بديانتهم.

سيسخر المسلم مثلا من عقيدة التثليث، لكنه سيدافع بقوة عن ادعاءات الفقهاء ان الله يجلس على عرش يحمله ثمانية ملائكة، وانه "ينزل" إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ليلبي دعوات المسلمين.

وسيسخر من ادعاءات مشي المسيح على المياه، لكنه مقتنع كل الاقتناع أن النبي محمد سافر إلى السماء على ظهر دابة بجناحين.

وسيرى تقديس الناس لتمثال بوذا الضخم غير معقول ولا مقبول لكنه يتعامل مع تقديس وتقبيل الحجر الأسود كمسألة مفروغ منها.

وسيدين الحروب الصليبية، لكنه سيحتفي بالفتوحات وغنائمها وضحاياها.

وسيرفض سيطرة الكنيسة واستبدادها باجساد الناس وأرواحهم، لكنه سيدافع باستماته عن حاكمية الدين/الحكم بالحق الإلهي والاصطفاء الالهي لعائلة معينة لتنفرد بالحكم الى يوم القيامة.

وستراه يسخر من التطهر بصكوك الغفران، لكنه لا يرى حرجا في دفع التطهر بدفع الزكوات والمكفرات وغيرها من الغرامات المالية الدينية.

يجب احترام المعتقدات بكل تأكيد... ولكن:

هل يمكن "عقلنة الدين" أم أن التدين لا بد أن يظل لاعقلانيا إلى النهاية؟

الحقيقة ان عقلنة الفهم الديني بدأت مبكرا جدا في الإسلام على يد المعتزلة الذين قالوا إن الكثير من الآيات يجب أن نفهمها على سبيل المجاز مثل الآيات التي تتحدث عن نزول الله ويده ووجهه جلوسه وغضبه وانتقامه.

كما أن المعتزلة حاولوا عقلنة ظاهرة النبوة وقالوا: إن الأنبياء غير معصومين إلا فيما يتعلق بالوحي، أما تصرفات حياتهم الأخرى فتصرفات بشرية خالصة.

جاء محمد عبده في العصر الحديث ليحاول عقلنة بعض الجوانب "اللاعقلانية" في الموروث فقال: إن الجن والملائكة والشياطين قد تكون رموزا لقوى روحية او فوق طبيعية، وان "حجارة من سجيل" التي قضت على جيش ابرهة قد يكون رمزا لمرض الكوليرا الذي عصف بالمقاتلين. 

ولجأ لتأويل حادثة الإسراء والمعراج بصفتها حادثا نفسيا تم في المنام.. الدين ثابت لكن التدين متغير.

ونحن نعيش عصرا جديدا يحتاج منا إعمال العقل في كل جوانب الحياة بما فيها الدين.

لقد مضى عصر تدين التسليم بلا عقل وجاء عصر التدين العاقل الذي ينقي الدين من كل شوائب الخرافة والعادات والقيم البالية ويصالح بين الدين والعقل، بين الجسد والروح، وبين الدين والعصر، وبين الدنيا والآخرة.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك