مع أن مفهوم الإيديولوجيا مرّ بتحولات/تحورات كثيرة، واكتسب - تبعا لكل تحول/ تحور حمولة سلبية أو إيجابية. ففي بداية الأمر اخترعه الفرنسيون للإشارة إلى علم العقل الذي يُعنى بدراسة الأفكار وتطورها، فصار عند البونابرتيين يعني أي خطة سياسية ثورية أو متطرفة تُستمد من النظرية، ثم توالى الأمر:
- منظومة فكرية تُعبر عن روح ما بحيث تُحفز حقبة تاريخية إلى هدف مرسوم في مسيرة التاريخ العام (هيجل).
- جملة من الأفكار تتعلق بواقع لا لتضيئه بل لتحجبه وتبرره (ماركس).
- غل المستضعفين وضحايا الحياة الذين نحتوا عالماً وهمياً موازياً للعالم السفلي الحقيقي (نيتشه).
- الإيديولوجيا الجزئية: مواقف أو أفكار تعتنقها فئات صغيرة تسعى وراء مصالحها، الإيديولوجيا الشاملة: التزام كامل بطريقة معينة في الحياة (مانهايم).
- مجموع الأفكار الناجمة عن تعامل يُبرر السلوك المضاد لقانون اللذة (فرويد).
- جزء من صراع الهيمنة المتواصل لخلق توافق إيديولوجي داخل مجتمع ما (غرامشي).
- نقيض العملية وليس الحقيقة، المثالية ومعارضة الواقع (حديثة).
ومع كل هذه التعريفات المتضاربة، والتكوينات المختلفة للمعنى، إلا أن هناك شبه إجماع على وجود قالب معين للإيديولوجي أو المؤدلج، وكل إنسان هو بطبيعة الحال إيديولوجي على نحوٍ ما، لكن الشخص الذي يكون إيديولوجيا على النحو كله، أو جزئه الأكبر، يتصف بدرجة عالية من اليقين الأخلاقي، والإطلاقية في أحكامه، الثبات والجمود على مبادئه وقيمه الإيديولوجية، معارضة أو شجب أي التزام فكري جاد تجاه التعقيدات والاختلافات، وبقدر ما يكون دوغمائيا في طرحه/مواقفه، فإنه أبعد ما يكون عن السلوك الانتهازي.
يحمل هذا الكائن البشري أسفاره على ظهره، وهو ظاهرة عابرة للزمن، منذ فجر البشرية الأول، وإلى ما لا نهاية، ولن يختفي أبدا.
وهذا مفهوم وطبيعي في سياق الحياة البشرية ومحدداتها، لكن ما ليس مفهوما، لدرجة يُمكن اعتباره ظاهرة جديدة، أو على الأقل نسخة مطورة أو مُحرفة من نسخة الإيديولوجي، هو: الشخص الإيديولوجي العابر للإيديولوجيات/المواقف، أو بلغة السوق الإيديولوجي القابل للتأجير.
هذه الشخص لديه مقدرة فائقة على الادعاء على امتلاك اليقين الأخلاقي، وقدر مفرط من الإطلاقية في أحكامه، ويتشبث بها في كل مرة، حتى وهو ينتقل من النقيض إلى النقيض!
هذه الظاهرة/النسخة تزدهر بقوة في اليمن، وربما في دول عربية أخرى، وبصورة تدعو للتعجب!
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك