عادل السبئي
تعز التي فيها يفسدون.. والمهمة الصعبة لتكتل "تم"
مدينة تعز حاضرة الثقافة والسياسة اليمنية منذ الرسوليين والصليحين حتى سبتمبر واكتوبر وبلغت أوج مجدها في عهد الدولة الرسولية، وازدهرت مدنيتها وتوهجت وانتشرت المدارس العلمية كالمدرسة المظفرية والاشرفية والمعتبية، واشرقت علميا وثقافيا ودينيا، بناؤها المدني وريادتها العلمية والثقافية حماها من السقوط الفكري واستطاعت أن تحافظ على ألقها واشعاعها التنويري ودورها الريادي رغم تعاقب الدول والحكام عليها
وبهذا كانت من أقدم المدن في شبه الجزيرة العربية بطابعها المدني الحضري وتوجهها الفكري والثقافي والعلمي.
تميزت تعز بالوسطية والاعتدال الديني وبتوجهاتها المنفتحة على الآخر، ثقافيا وسياسيا، وقد اختارت تعز المدنية كنهج ومبدأ وأسلوب حياة رغم تعاقب الأزمنة
إلى أن اتت جماعة الإخوان المسلمين المتطرفة بمؤسسها عبده محمد المخلافي، وعملت على نخرها من الداخل وتغيير ادمغة ابنائها وتوجيهها بما يخدم جماعتهم الاقصائية. وللأسف كانت أكثر فتراتهم العبثية اثناء تحالفهم في إطار اللقاء المشترك، حيث عملوا على إلجام القوى السياسية المدنية التي كانت فيما مضى من الوقت تحذر منهم وتفضح أساليبهم وتكشف مؤامراتهم، فوفت الأحزاب المدنية لتحالف اللقاء المشترك رغم المعاناة والخذلان والغدر والخيانة من حزب الإصلاح. وبدأت تتكشف خيوط اللعبة من بداية 2011 وظهرت بشكل واضح وجلي من بداية 2016، حيث كشف حزب الاصلاح عن انيابه وظهر ووجهه القبيح بعد ان كشف القناع وحاول ان يلتهم المدينة ويطحن ابناءها بين اضراسه. فعمل على تأسيس مليشيات باسم الجيش وتدريب قوات حشد شعبي، فتحولت من عاصمة للثقافة الى عاصمة الاتجار بالسلاح، واعادوها الى تخلفها الفكري والثقافي، وزرعوا فيها ثقافة الفيد والنهب والسلب وزرعت ايديولوجية دينية ارهابية متطرفة لا تؤمن بالآخر وتدعي الوصاية على الدين، مستخدمة اسلوب الترهيب وشراء الذمم ومحاولة لطمس هويتها المدنية واظهارها بإنها امارة اسلامية ووكر لجماعة الاخوان المسلمين.
ها هي تعز تعود مجددا وتحاول استعادة مدنيتها أو ألقها الفكري واشعاها التنويري رغم صعوبة المرحلة ومشقة النضال والمشاكل التي ستقابلهم، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح ومسافة الالف ميل تبدأ بخطوة.
وباختصار شديد.. الحاصل الآن في تعز هو صراع على البقاء بين التيار المدني الموروث تاريخيا وبين جماعة متطرفة دينيا وسياسيا وعسكريا دخيلة على المجتمع التعزي المسالم والمسامح، متزمتة لا تقل قبحا عن جماعة الحوثي،
تحاول القوى المدنية في تعز أن تحافظ على هوية هذه المدينة التي ظلت لقرون محافظة على مدنيتها.
فها هو الشارع يغلي ويتشكل من جديد في سبيل ايجاد تكتل مدني تحت مسمى تكتل "تم"، كقوة ضاغطة في مواجهة القوى الدينية التي عاثت بتعز الفساد وسيكون بمثابة شعاع نور لليمن عامة من تعز ينطلق، ويتطلب هذا تظافر جهود وإيمان واخلاص وتضحية لإنهم سيصطدموا بجماعة دينية متشبثة بما حصلت عليه من انجاز على الأرض، فستحاول أن تحافظ عليه لتحجز لها مكانا على خارطة التوازنات السياسية ولو على حساب التيار المدني في المحافظة والرافض بشدة لمحاولة هذه الجماعة الاستحواذ على الارض والالغاء للآخر.
بمعنى أن القوى المدنية امامها مهمة شاقة ومضنية من العمل الثوري والسياسي، لتناضل بقوة وتضحي حتى لو كلفها ذلك دما من أجل البقاء أو أنه سيتحتم عليها ان ترضخ وبالتالي التماهي مع الآخر والذوبان وبالتالي الانقراض وهو اقرب السيناريوهات السيئة كما في صنعاء والتي غاب عنها التيار المدني المؤثر واندثر بفعل الضربات القوية التي تلقتها من المليشيات واصبح لزاما عليهم معايشتهم، وبالتالي على أبناء تعز الالتفاف حول التيار المدني "تم" بكل قواهم من أجل تعز وتاريخها المدني ومن أجل ابنائنا.