عبدالباري طاهر

عبدالباري طاهر

تابعنى على

رائد التنوير محمد علي لقمان

Saturday 17 July 2021 الساعة 08:07 pm

عظيم ما قامت به جامعة عدن من إزجاء التحية، وإعادة الاعتبار، لرائد التنوير، وداعية الحداثة النهضوي، ومؤسس الصحافة في اليمن، والنهضة، اللبرالي اليمني الكبير محمد علي لقمان.

التحية لأستاذنا القدير الدكتور عبدالوهاب راوح –رئيس الجامعة (حينها)، أما الأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني، ونجل الرائد الكبير الابن البار المهندس ماهر لقمان، فجديران بالتحية والتوقير.

الندوة العلمية التي عقدت في عدن من 13 إلى 15 نوفمبر 2006 إنجاز عظيم بكلّ المعاني.

 الندوة الرائعة عبّرت عن إعادة الاعتبار لرائد من أهم رواد التنوير والحداثة، وواضعي اللبنات الأولى والأساس لثقافتنا الوطنية الحديثة، وللتعددية السياسية والفكرية.

داعية الدستور، ومؤسس أول صحيفة أهلية في اليمن، وربما في الجزيرة كلها، وهي “فتاة الجزيرة”، والتي عززها بصحيفة “عدن كرونكل” الصادرة باللغة الإنجليزية –هو الرائد الأول.

كانت الفتاة الرحم الذي تناسلت منه الصحافة الأهلية والحزبية في اليمن كلها، أما “صوت اليمن” –الصحيفة الناطقة بلسان الجمعية اليمنية الكبرى، فهي الابنة البكر للفتاة. 

وقد كانت الفتاة منبرًا لكل اليمنيين، وقد كتب وتعلّم فيها الأحرار اليمنيون، وكانت تنشر بياناتهم ومقالاتهم وتدرسهم.

في اليمن، وتحديدًا في عدن، كان ميلاد الصحافة إيذانًا بميلاد الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد؛ وكانت الرحم الولود للتعددية السياسية والفكرية والحرية؛ فالنقابات العمالية، والأحزاب السياسية التقليدية كحزب الأحرار، ورابطة أبناء الجنوب العربي وما تناسل منهما معطى من معطيات الصحافة. 

لقد كانت الصحافة هي النافذة للإحياء الديني والثقافي والفكري في عدن بوابة التمدن والتحضر في اليمن والجزيرة.

في الكلمة الافتتاحية للندوة يتحدثُ الدكتور أحمد علي الهمداني عن المنور الكبير لقمان: “المحامي محمد علي لقمان، وعدن ظاهرتان متلازمتان، لا تنفصل الواحدة عن الأخرى، ولا تنفصم الواحدة عن الأخرى. الظاهرة المدنية أخذت تستعيد عافيتها، وتسترد أنفاسها متحدية ومتجاوزة في الآن نفسه عوامل التعرية الظاهرة.

الرجل المحامي لقمان بدأ يفصح عن نفسه، ويعلنُ على رؤوس الأشهاد تراثه الفكري والنضالي الذي دفتته الأوضاع الكالحة التي أصابت الظاهرة المدينة، والظاهرة الرجل على السواء في وقتٍ من الأوقات.

وبدون أن أكون مختلفًا مع أستاذي الجليل الدكتور أحمد الهمداني، فإنّ ما حصل بعد 67 في الإنجاز الوطني العظيم (الاستقلال الوطني)، وتحرير واستقلال جزء من الوطن -كان كعب أخيل في التجربة؛ وهو إلغاء المدماك الأساس للتحرر الوطني.

إلغاء التعددية السياسية والحزبية، ومصادرة حرية الرأي والتعبير والاعتقاد، والاستهانة حدّ القمع برجالات النهضة، وبناة الحياة المدنية والديمقراطية أمثال الرائد والمفكر الكبير محمد علي لقمان –بداية المأساة.

إلغاء “فتاة الجزيرة”، و”الأيام” المساندة للتجربة الثورية، والصحف والأحزاب الأخرى أصاب الثورة الوطنية والاستقلال في مقتل، ونقل الصراع الدامي إلى قلب التجربة الرائدة، وسهل للأقزام من قوى الحرب والتخلف القفز عليها ووأدها.

قام البعض من قادة التجربة وأبنائها بنقد أخطاء التجربة، ولكن النقد لم يصل إلى ما قامت به الجبهة من إدانة وتجريم العصر الذهبي في حقبة الأربعينيات والخمسينيات وشطر من الستينيات، كما لم تُدِن الجبهة القمع البشع، والإجراءات القاسية. 

لقد كان محمد علي لقمان وزملاؤه وتلاميذه صناّع هذا العصر الزاهي.

اتفق مع أستاذنا الجليل الدكتور الهمداني على التلازم العميق بين استنارة المدينة، وروح المنور لقمان المتعدد المواهب، كبير القدرات.

 اختار الرائد والمنور الكبير الصحافة كأم للحريات جميعًا، وبوابة للمطالبة بالحقوق الوطنية، والسيادة والاستقلال، وهي المبادئ العظيمة التي كرس لها افتتاحيات ومقالات الفتاة، و”أيدن كرونكل”.

الفتاة الصحيفة توالدت منها عشرات الصحف والمجلات، والنقابات، والجمعيات، والأحزاب السياسية التقليدية الأم والحديثة، واحتضنت الأدباء والكتاب والمفكرين، ودعوات تحرير المرأة، ومساواتها بأخيها، وأكدت على نشر التعليم الحديث، والاهتمام بالتنمية، ونشر الأغنية الشعبية، والمسرح، والفنون، ومقارعة المستعمر، ورفض هيمنة أبناء الكمنولث، واستبدادهم، واختصاصهم بالوظائف العامة، والتسيّد على العرب، وأبناء عدن واليمن، ومنها انطلق لقمان لنصرة القضية اليمنية في “قصة الثورة اليمنية”، وكان الأب الروحي للأحرار اليمنيين في دعوتهم للدستور، وفي صياغة المطالب الوطنية، ومقارعة الإمامة، وحثهم على تأسيس الجمعية اليمنية الكبرى، وإصدار “صوت اليمن”.

 وعندما قامت حركة 1948 غادر عدن مع سيف الحق إبراهيم والأستاذ النعمان، ونجا بأعجوبة من الموت، فقد كان الصوت الداوي في صنعاء، واختار الرائد المحاماة؛ ليدافع عن القضايا الوطنية والمطلبية والإنسانية، وحماية المظلومين.

 كما دافعَ عن زميله وصديقه الداعية الكبير عبدالله علي الحكيمي، وكان بحق مدافعًا عن الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد التي كرس لها افتتاحية الفتاة ومقالاته فيها.

كان العلامة الكبير طاقة كبيرة، وإمكانات غير عادية، فقد أسهم في تأسيس نادي الإصلاح العربي مع زملائه عبدالعزيز الثعالبي، وعبدالمجيد الأصنج، وأحمد سعيد الأصنج، كما أسس نادي أبي الطيب.

ميزة هذا العظيم الرائد والمجدد أنه درس الفكر العربي الإسلامي، وانفتح على تيارات العصر المختلفة، واستلهم منها ما يحتاجه وطنه ومجتمعه؛ فراح يغرس شتلات العلم والمعرفة ببصر وإدراك.

 كما أهّله علمه بعلوم العصر، وقوانين الحياة أنْ يتعامل بواقعية ونفاذ بصيرة في مواجهة الاستعمار والطغيان والظلم.

الكتابة عن هذا العبقري سباحة في محيط لا يدرك قعره، ولا يمكن الإحاطة بسواحله المديدة، وتياراته الزاخرة، وتظل الندوة العلمية التي تبناها ودعا إليها وكرس لها كل اهتماماته وعلمه الدكتور الجليل أحمد علي الهمداني، بداية التحول في الاهتمام بهذا الرمز الكبير الذي كان ينبغي أن يدرس أدبه وثقافته، ودوره في الإحياء، وفي الصحافة، وفي القضايا الوطنية المجتمعية والسياسية العامة، وكان جديرًا أن تٌكتب عنه عشرات الرسائل والأطروحات الجامعية، ولكنه الجحود والظلم.

الثمرة التي خرجت بها الندوة زادٌ معرفي وثروة علمية عظيمة من أهمها: ما كتبه الدكتور والأستاذ أحمد علي الهمداني “محمد علي لقمان المحامي رائد حركة التنوير”.

والندوة شارك فيها باحثون أكاديميون ومثقفون مهمون وصحفيون، وتضمنت أبحاثًا في غاية الأهمية والعمق، والأهم قبل ذلك وبعده الأعمال الكاملة لما جمع من إرث هذا المجدد المجتهد الفذ، وكم نتمنى لو يتواصل الجهد الرائع في التنقيب والبحث عن الإرث العظيم للمحامي محمد علي لقمان، أما قصة “الجمعية العدنية” و”عدن للعدنيين”، فموجهة إلى الوافدين من أبناء دول الكمنولث الذين يحتكرون التجارة والوظيفة والنفوذ.

*نقلا عن موقع اليمني - الأميركي