الشعارات تتحول إلى عبء.. تاجر صنعاء تحت سوط التحريض الحوثي
السياسية - منذ 4 ساعات و 33 دقيقة
لم يكن يدري أحد تجار صنعاء أن لحظة فرحه البسيطة بإمكانية فتح متجره يوم الجمعة، بعد توقف المسيرات الأسبوعية التي كانت تدعو لها ميليشيا الحوثي، ستتحول إلى حملة تحريض شرسة ضده، تتهمه بالعمالة والصهيونية وتدعو إلى مقاطعة منتجاته.
الحادثة التي بدأت بتعبير إنساني عفوي تحولت إلى مرآة كاشفة لحالة الاحتقان الاجتماعي ومناخ القمع الفكري الذي يطوق حياة الناس اليومية في مناطق سيطرة الجماعة.
وعبّر التاجر علي جارالله عن فرحته بإعلان وقف الحرب في غزة، معتبرًا أن هذا الحدث لا يعني فقط انتهاء معاناة الشعب الفلسطيني، بل أيضًا نهاية لمعاناة شخصية عاشها لأشهر بسبب الإغلاقات القسرية لمحله التجاري خلال الوقفات التي كانت تقيمها ميليشيات الحوثي في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء.
وقال جارالله في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك": "قد أكون أكثر شخص شعر بالفرح بعد سماع خبر إيقاف الحرب في غزة، ليس فقط لإنها معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، ولكن لإنها معاناتي الأسبوعية منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم."
وأوضح أنه خلال 104 أيام (ما يقارب 3 أشهر ونصف) كان يُجبر على إغلاق محله التجاري كل يوم جمعة بسبب الوقفات الحوثية التي تُنظم فيما يسمى "الوقفة المناصرة لغزة"، وهو اليوم الذي يُعد عادة من أكثر أيام الأسبوع نشاطًا تجاريًا. وأشار إلى أن بعض المشاركين في تلك الوقفات كانوا يغلقون أبواب المحلات بالقوة دون مراعاة لأصحابها أو التفاهم معهم، رغم وجود مواقف واسعة قريبة من الموقع، مما تسبب بخسائر كبيرة للتجار وأضر بأرزاقهم.
وأضاف جارالله في منشوره: "140 يومًا من الإغلاق فقط بسبب غزة، وباقي الأيام بسبب فعاليات أخرى مثل المولد و21 سبتمبر و26 سبتمبر، خسرنا كثيرًا وتعبنا وما شفنا أي إعفاء أو حتى كلمة طيبة من أي جهة حكومية."
وتابع بنبرة عتب قائلاً: "مؤلم أن نجد أنفسنا وحدنا في الميدان، ندفع الثمن مرتين… مرة بالإغلاق ومرة بالمطالبة دون أي مراعاة للظروف." واختتم منشوره بالدعاء قائلاً: "اللهم اجعل نهاية الحرب في غزة بداية لسلام شامل. قضية فلسطين هي قضية الأمة كلها، وليست حكرًا على جماعة أو فصيل."
وتأتي الحادثة لتُبرز ثمنًا إنسانيًا وماديًا يدفعه المواطنون العاديون حين يتحوّل الإيمان العام أو الشعارات السياسية إلى آلية قمعية تفرض على الناس نمطًا واحدًا من السلوك، وتضيف صعوبات إضافية إلى معيشة تتآكل بفعل انقطاع الرواتب وغلاء المعيشة والحصار.
أثارت حملة إلكترونية واسع شنّها ناشطين محسوبين على ميليشيا الحوثي ضد التاجر حالة استنكار واسعة لدى ناشطين حقوقيين، حيث استنكرت أبنة قيادي حوثي تعرض للتصفية في صنعاء، الناشطة سكينة حسن زيد، الحملة في منشور على فيسبوك، ووصفت ما جرى بأنه تعسف لا مبرر له، مؤكدة أن التاجر "لم يرتكب أي جرم أو إساءة سياسية"، بل اكتفى بالتعبير عن فرحته بإمكانية فتح متجره يوم الجمعة.
وكتبت زيد: "فقط! لا غلط على أحد، ولا كتب في السياسة! كأنه طعنهم!"، متسائلة بمرارة عن مقدار الجهل والتعصب لدى من شنّوا الحملة. وأضافت الناشطة أن اتهام التاجر بالعمالة أو التطبيع أو الصهيونية "سلوكٌ يفضح توجهًا مخيفًا للقمع والاستبداد بالرأي"، مشيرة إلى أن ما يريده المواطن العادي هو القدرة على كسب رزقه وفتح محله دون أن يتحوّل إلى لعبةٍ سياسية تُستغل ضده.
وختمت منشورها بنداء إنساني: "اخرجوا من قوقعتكم... دعوا الناس يعيشون"، معبرة عن ألمها من تحويل خصومة الرأي إلى محنة أخلاقية ودينية على العراقيب الصغيرة لحياة الناس.
ومنذ اندلاع حرب غزة أواخر العام 2023 فرضت ميليشيا الحوثي مسيرات أسبوعية في صنعاء، وتجبر الميليشيات المحلات التجارية على الإغلاق ناهيك عن تعطيل الحركة بشكل كلي يوم الجمعة تحت مبرر التضامن غزة أو شعارات أخرى طائفية. هذه التجمعات الإجبارية زادت من العبء على أصحاب المحلات والعمال اليوميين.
وتعكس هذه الشهادة جانبًا من المعاناة الاقتصادية الصامتة التي يعيشها مئات التجار في صنعاء، نتيجة الإجراءات القسرية والأنشطة التي تُفرض عليهم دون تعويض أو دعم من السلطات القائمة. ويشير مراقبون إلى أن استغلال القضايا القومية لتقييد حياة الناس اليومية وتحويلها إلى مصدر خسارة ومعاناة يعكس تناقضًا بين الشعارات المرفوعة والواقع المعيشي القاسي الذي يعيشه المواطنون.
وأفاد عدد من التجار وأصحاب محلات في أحياء متفرقة من صنعاء بأن موجات المقاطعة والتحريض الإلكتروني قد تتسبب بخسائر فادحة تضاف إلى أعباءهم، خصوصًا في ظل توقف الرواتب وتقلب الأسواق. كما لفت بعضهم إلى أن التحريض الاجتماعي يفضي إلى عزل اجتماعي للأسرة كلها، وقد يؤدي إلى مضايقات أمنية أو اجتماعية لا حدّ لها.
ودعا ناشطون حقوقيون ومدنيون إلى كسر دائرة التحريض والكراهية عبر حماية الفضاء المدني وحرية التعبير، معتبرين أن المزايدة على مشاعر التضامن لا تُبرّر تجريد الناس من حقهم في الحياة اليومية والرزق. وطالبوا بوقف التعرض للأفراد بسبب مواقفهم البسيطة، ومراعاة الكرامة الإنسانية في الخطاب العام.