الإمامة والحديدة.. من حروب الزرانيق إلى استعادة الجمهورية

السياسية - Thursday 31 May 2018 الساعة 02:04 pm
فارس جميل، نيوزيمن، خاص:

مرت 90 عاماً على انتهاء الحرب بين دولة الأئمة وقبائل تهامة من الزرانيق (1928)، ولا زالت حجة تعرف مقبرة الزرانيق، بعد أن سجن أحمد حميد الدين قرابة ألف مقاتل منهم ماتوا تباعاً في ظلمات سجنه القبيح.

خلال عام كامل هاجم أحمد تهامة من جميع الجهات وفشل في هزيمة الزرانيق، الذين كبدوه وجيشه هزائم ساحقة، حتى كتب قصيدته الشهيرة عن منطقة الجاح (التي استعادها الجيش والمقاومة من قبضة الحوثيين قبل أيام):

صاح إن الجاح قد أعيا فؤادي وابتلى جفني بأنواع السهاد

كان ضمن جيش أحمد رجل عسكري مُحنك هو المقدم يحيى إسماعيل الردمي من أبناء الحيمة، وعندما رأى هزائم جيش الإمام، عرض على أحمد حميد الدين أن يضع خطة لهزيمة الزرانيق شرط أن يمنحه الصلاحيات الكافية لتنفيذها فوافق أحمد على مضض، وبعد أن نجحت الخطة باقتحام بيت الفقيه، أعلن الردمي أنه من قاد معركة اقتحامها، وأرسل للإمام يحيى بصنعاء يخبره بذلك.

كان أحمد يريد تسجيل النصر باسمه، لكن الرجل فضح عجزه، وخلال أيام وجد جيش أحمد قائدهم يحيى الردمي وجسمه مطلياً بالزيت والقطران، وهو مربوط إلى فوهة مدفع وقنينات الخمور تتدلى من عنقه، فقد عاقبه أحمد بطريقته، لكن التهمة كانت شربه الخمور وارتكاب الفواحش، ظل الرجل مصلوباً هناك كجزاء من إمامه الذي قاتل شعبه تحت رايته، وهكذا غيب التاريخ اسمه وإنجازه، ونسبه لـ(أحمد ياجناه) حتى اليوم، ولا زال كثير من أبناء منطقة الحيمة يقاتلون في صف الحوثيين اليوم.

بعد 6 سنوات في حرب 1934 بين اليمن والسعودية سيطر الأمير فيصل بن عبدالعزيز على تهامة والحديدة دون معارك من حرض حتى اللحية، لأن أبناء تهامة لم يقفوا في صف الإمام يحيى بعد أن نكّل بهم وصادر أسلحتهم وسجن رجالهم حتى الموت، وعرفوه حق المعرفة.

لم يكن غريباً بعدها أن الإمام أحمد تعرض لمحاولتي اغتيال في محافظة الحديدة، أولاها على يد سعيد (إبليس) في السخنة، والثانية على يد الأبطال الهندوانة واللقية والعلفي، في المستشفى المعروف اليوم بمستشفى العلفي بالحديدة، وكانت طلقاتهم سبب موته بعدها بعام واحد.

منذ 3 أعوام وبعد اكتمال ترميم مبنى قلعة الحديدة الشهيرة، حول الحوثيون القلعة إلى معتقل لأبناء الحديدة، ورفعوا عليها صورة عملاقة لحسين الحوثي بدلا عن العلم اليمني الذي كان يرفرف أعلاها بشموخ.

وبينما عين الحوثي مشرفين على المحافظة بجميع مؤسساتها، وبعدها عين القيادات الحكومية الرسمية أيضاً، من أتباعه القادمين من صعدة وحجة على وجه الخصوص، فإنه دفع بأطفال وشباب المحافظة للقتال في الجبهات، لتمتلئ شوارع المدينة بصورهم، وتمتلئ مقابرها بما تبقى من أشلائهم التي تمزقت دفاعاً عن ولاية عبدالملك وأسرته.

ظلت الحديدة ميناء ومدينة وسكاناً مجرد مورد مالي لجيوب الحوثي وشركائه، وأبناؤها يعانون أشد مجاعة تعرفها اليمن، ورغم ذلك منع الحوثيون منظمات الإغاثة من تقديم العون للجوعى من أبناء تهامة، ما لم تمر عبر رجاله ويعيد توزيعها بنظره ورعايته، فيصادر أغلب مواد الإغاثة لرجاله وتجاره ويبقي الفتات للجوعى المقموعين الفقراء.

لم يفكر يوماً بجوعهم ولا بموت العشرات منهم بالفشل الكلوي وانقطاع الكهرباء التي حولها إلى مؤسسة تجارية لأتباعه، تقدم خدمتها لمن يدفع أكثر، ولا مشكلة لديه إن تعطل جهاز غسيل الكلى الوحيد لأن المستشفى غير قادر على توفير الطاقة الكهربائية ومحاليل الغسيل إلا إذا تدخلت المنظمات الدولية.

قبل أشهر ذهب محمد علي الحوثي إلى المحافظة لإجبار وجاهاتها على حشد المقاتلين وتقديم أبنائهم قرابينَ لأطماعه وأطماع أسرته، وبعده وصل صالح الصماد لنفس الغرض، ولم يعد إلى صنعاء إلا جثة هامدة.

ظهر عبدالملك الحوثي في خطاب هزيل ومطول وبائس يحث أبناء الحديدة على القتال في صفه، ويمنّ عليهم بالزيارة الكارثية للصماد، وكأنها منحة إلهية لهم، ويقول لهم إن الحديدة أمانة تركها الصماد في أعناقهم.

قال الحوثي بِنَفَسٍ طائفي مقيت إن التكفيريين سلبوا بعض المحافظات اليمنية وطنيتها حينما عبأوها بأفكار مذهبية، وأنها لم تمثل حاضنة شعبية لأتباعه كما يبدو، ولم يكن ينطبق ما قاله إلا على جماعته وممارساتها الطائفية الوقحة، ورفض اليمنيين لها ولممارساتها في كل المحافظات وليس المحافظات التي حصرها في خطابه وكأنه يمزق اليمن بين شطرين أحدهما ملكاً له وخادماً لجماعته ويمتلك المواصفات الوطنية التي تلبي رغبات رجل الكهف، والآخر ضدها وقد جرده الرجل من وطنيته وإيمانه بكل بساطة، وفي نفس الوقت الذي ألقى بتلك التهمة على أغلب اليمنيين فإنه طالبهم بوقاحة أكثر باستمرار قتالهم في صف ميليشياته، لكن الحقيقة أنه ليس هناك أية محافظة يمنية موالية للحوثي إلا بفعل القوة والجبروت، وسوف تلفظه في أقرب فرصة كما فعل أبناء المناطق المحررة من الحديدة خلال الأيام الماضية.

وجه الحوثي ميليشياته تحت مسمى (لواء الحسين) و (كتيبة العباس) إلى تهامة، وهي قوات عنصرية طائفية من الموالين بشكل قاطع للحوثي، وهذا بذاته أمر يثبت عنصرية الجماعة، وطائفيتها التي يتهم بها خصومه من عموم اليمنيين، وكثير من عناصر هذه التشكيلات الطائفية قد شاركوا في قتل اليمنيين من حميد القشيبي إلى علي عبدالله صالح، ولم يقتل أي منهم مجرد بعوضة أمريكية أو ذبابة إسرائيلية، لكنهم بكل وقاحة وغباء يتهمون المقاتلين ضدهم بأنهم يعملون تحت قيادة أمريكا وإسرائيل.

يجب الاعتراف هنا أن المقاتلين تحت راية الحوثي هم يمنيون شجعان، وسيأتي يوم يعودون فيه إلى رشدهم ووطنهم وإخوانهم، فشجاعتهم ومغامراتهم تحت شعارات غير وطنية خسارة كبيرة عليهم وعلى اليمن وابنائه، لكن انخراطهم في صفوف الجماعة هو الضريبة التي يجب أن ندفعها كيمنيين عندما تركنا الوعي الوطني ينحسر، وثقافة الجمهورية تغيب، وعشنا في غيبوبة المناكفات والمصالح الصغيرة، ومنحنا تلك الفراغات الكارثية في الوعي والضمير الجمعي لليمنيين للجماعات الكهنوتية لاستثماره ضد اليمن واليمنيين فهم الوقود والضحايا في نفس الوقت.

لم يشفع للحوثي زوامله المستعطفة لأبناء تهامة (قاحي يا تهامي قاحي)، فالتهامي شجاع ومقاتل صنديد، لكنه لا يوالي الحوثي ولا يعترف بسلطته، وهذا أمر يكره الحوثيون الاعتراف به حتى الآن.

الحديدة مباشر، والحديدة الآن حسابان على تويتر يزداد عدد متابعيهما يومياً، تشوقاً لمتابعة أخبار جبهة الساحل الغربي التي وصت مشارف الحديدة، إضافة إلى حسابات حراس الجمهورية والقوات المشتركة التي قامت بأسرع تقدم في جبهات القتال منذ بداية الصراع قبل سنوات.

لابد للحوثيين من الآن وصاعداً مراجعة شريط ذكرياتهم، واستعادة كل لحظة جنوا فيها على اليمن واليمنيين، لأن الحسم العسكري اقترب بشكل لم يحدث من قبل، حتى لو تأخرت معركة الحديدة لأسباب إنسانية أو بسبب الألغام العشوائية التي زرعها الحوثيون في طريق الجيش الجمهوري، فإن المسألة لا تعدو كونها وقتاً سيمر طال أو قصر.

يعلم الحوثي أن تهامة عموماً منطقة ظلت تمنح حزب المؤتمر أصواتها الانتخابية أكثر من أي منطقة أخرى في اليمن، ومع هذا يشير في خطاباته لحزب الإصلاح، لأنه حزب أيديولوجي ينجر أحياناً لخطاب أيديولوجي مضاد للحوثي أكثر من انتقاد ممارسات الجماعة التي هي جوهر خلافها مع اليمنيين، وللأسف فإن آلة الإصلاح الإعلامية تقدم خطاباً غير مسؤول حول معركة الساحل الغربي، تصب في مصلحة الحوثيين لا سواهم، وفي كل الأحوال يجب على حزب المؤتمر الاستعداد للعمل على الأرض كحزب سياسي نقي من أمراض احتكار الحقيقة وتمثيل الله في الأرض.

بالمقابل على كل الإشاعات التي تعمل على تحويل الأنظار واهتمام الرأي العام عن متابعة مظاهر النصر ضد الحوثيين في الحرب الجارية بكل جبهاتها وليس في معركة الساحل الغربي فقط، إن أي طرف يحقق انتصاراً على هذه الجماعة يستحق التأييد والتقدير والدعم وحنى الهامات أمام رجاله وتضحياته وإنجازاته.

إنها تهامة يا عبدالملك، تهامة التي قال الرسول في رجالها هم أرق قلوباً وألين أفئدة، وأثبت التاريخ أنهم يكونون كذلك فقط عندما لا يعتدي عليهم أحد، أما إن حاول أي طرف وأية قوة إخضاعهم، فإنهم أسود ورجال قتال لا يشبههم أحد، وقصائد أحمد بن يحيى حميد الدين شاهدة على ذلك منذ قرن مضى، فما بالك لو كان اليمنيون معهم وليسوا بمفردهم هذه المرة!!