26 سبتمبر.. كيف كشفت عورة الحوثي

السياسية - Friday 28 September 2018 الساعة 04:08 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

منذ ظهوره على وسائل الإعلام كزعيم لجماعة الحوثيين، ورغم عشرات الكلمات والخطابات المباشرة بمناسبات غريبة وعجيبة، وبدون مناسبات أحياناً، لم يحدث أن ظهر عبدالملك الحوثي بمناسبة ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962، وهذا أصدق وأوضح موقف له ولجماعته منها، فلم يظهر حتى أتباعه من الصف الثاني ليقول أي كلمة تمجد ثورة اليمنيين العظيمة.

في 21 سبتمبر، وبمناسبة ذكرى الانقلاب على الجمهورية الذي نفذه الحوثيون في 2014 ظهر مهدي المشاط لإلقاء كلمة بالمناسبة، قال أحمد الحبيشي الإعلامي المؤتمري السابق الذي أصبح بوقاً للحوثي، إنها تستحق أن توثق وتتحول إلى كتيب يوزع في المدارس لأهميتها، من وجهة نظره.

اجتهد المشاط بكل الوسائل للربط بين الثورة اليمنية (26 سبتمبر 1962) ضد نظام الحكم الإمامي، وبين انقلاب الحوثيين ضد هذه الثورة ونظامها الجمهوري في (21 سبتمبر 2014)، وقال إن انقلاب 21 سبتمبر الذي وصفه بأنه ثورة، أتى امتداداً لثورة سبتمبر، بعد أن ضلت مسارها.

كان ذلك رداً على الانتقادات الشعبية الواسعة لانقلاب الحوثيين في عامه الرابع، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مظاهرَ غير مسبوقة من استقبال اليمنيين لثورة 26 سبتمبر، بطريقة جعلت الجماعة في زاوية الاتهام المباشر كخصم للشعب اليمني وثورته.

كل اجتهادات المشاط تحولت إلى مجرد مادة للسخرية الشعبية، فقد كتب الناشط محمد الوشلي بصفحته على الفيسبوك منشوراً قال فيه، إن محاولة الحوثيين الربط بين (26 سبتمبر) و(21 سبتمبر) يوضح أنهم أخذوا (الخُمُس) من ثورة سبتمبر فنقصت بما يوازيه وتحولت من (26) إلى (21).

ليلة 26 سبتمبر نشرت صفحات محمد علي الحوثي و(مركز الإعلام الثوري) التابع للجنة الحوثي، ما وصفته بأنه بيان باسم رئيس اللجنة الثورية العليا بمناسبة ذكرى ثورة 26 سبتمبر، وجاء البيان الذي نشر بالتزامن مع أنباء متداولة عن إصابة الرجل وربما مقتله، في غارة للتحالف، وكان محتواه شرحاً لأهداف سبتمبر وما تعرضت له من تحوير مسار، وكيف أنها تتحقق الآن عبر استيلاء جماعته على السلطة، وهو نفس سياق محاولة المشاط تطويع ثورة سبتمبر لمصلحة الجماعة التي جاءت لتقضي على كل مكتسباتها.

ومن غريب وزيف محمد الحوثي في بيانه، تركيزه على الهدف الأول لثورة سبتمبر وهو "القضاء على الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات"، فقد اختصر الهدف في القضاء على الاستعمار ووظفه لمصلحة الصراع الراهن لجماعته بطريقة غبية ومختزلة، بينما تناسى أن إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، تعني مباشرة رفض تزييف الوعي الذي تقوم به جماعته لتقديس زعيمها وأسرته باعتبارهم من سلالة مقدسة، يجب على الشعب اليمني الخضوع لها والتسليم بحقها الحصري في حكمه، وهو الهدف الجوهري لثورة سبتمبر 1962.

كما أن الرجل اعتبر جماعته تقوم الآن بتنفيذ الهدف السبتمبري الخاص ب"بناء جيش وطني قوي، لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها"، متناسياً حروب جماعته الستة ضد الجيش الوطني اليمني منذ تأسيسها، ثم استمرارها في ذلك بعد مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني حتى اكتساحها لصنعاء، بعد قتلها لآلاف الجنود الشرفاء.

كما تغافل عن توعد مؤسس الجماعة حسين الحوثي بتدمير الجيش اليمني لأنه شارك في الحرب ضد إيران (الإسلامية)، في كثير من محاضراته وخطبه، التي قال فيها إن الجيش اليمني يعمل لمصلحة أمريكا وإسرائيل، وهي فتوى لإباحة دم كل جندي يمني.

وتناسى محمد علي قيام جماعته بتسريح ضباط وأفراد الجيش غير الموالين للجماعة، واغتيال بعضهم واعتقال البعض، وتسليم مقدرات الجيش لأشخاص جهلة لم يحدث أن وقف أحدهم في طابور تمام أو خاض أي دورة تدريب لمجرد ارتداء الزي العسكري بشكل لائق.

كما تناسى الحوثي العجيب أن اللجان الشعبية التي أصبحت رديفاً لأي ذكر للجيش من قبل الجماعة، قد أصبحت مسيطرة على قرار الجيش، ومنحت جماعته الرتب العسكرية الرفيعة لمن لم يقف لتحية العلم الوطني دقيقة واحدة بحياته، فأصبح الشامي لواء ومتحكما بوزارة الدفاع، وشقيق زعيم الجماعة عبدالخالق أصبح لواء ومتحكما بالحرس الجمهوري، وعبدالحكيم الخيواني لواء ومتحكما بوزارة الداخلية، وأن مجرد منشد تابع للجماعة أصبح عقيدا، وصحفي آخر أصبح عميدا، وهكذا قامت جماعته بالعبث بالجيش الذي ظهر في مرات كثيرة يردد شعار الجماعة ويرفعه، بينما يغيب العلم الوطني والسلام الجمهوري عن أي فعالية لجماعته.

لم يشر الحوثي إلى أن وضع أشلاء صالح الصماد ضريح الجندي المجهول الرمز الوطني لشهداء ثورة سبتمبر يعد إهانة لها ولشهدائها، فالصماد ذاته رفض الوقف للسلام الجمهوري بعد دخول جماعته صنعاء، وهذا يكفي ليكون خائناً للجمهورية ومبادئها، صعدته الجماعة للمنصب الأول بصنعاء، وإن كان شكليا بالطبع، ولم يستطع منه إصدار أي قرار ضد رغبة أصغر فرد من أسرة بدرالدين.

وتأكيداً لموقفها الحقيقي من 26 سبتمبر، قامت جماعة الحوثيين باستبعاد صور كثير من أبطال وشهداء سبتمبر الخالدة من المتحف العسكري بصنعاء، ووضعوا صور مؤسس جماعتهم وشعارها في تلويث وإهانة لكل رموز اليمن وسبتمبر.

وقد اتضح ذلك عند قيام جماعة الحوثي بتغيير اسم مستشفى الشهيد العلفي بالحديدة إلى مستشفى الساحل الغربي، فالعلفي هو من نفذ ورفاقه اللقية والهندوانة عملية اغتيال الإمام أحمد التي أدت إلى موته لاحقاً متأثراً بالجراح التي صنعتها رصاصاتهم في جسده، وكان دخولهم صنعاء في اليوم الذي يوافق ذكرى تولي محمد البدر آخر إمام حكم اليمن للعرش، وتلك لم تكن صدفة وإنما رسالة بأنهم أتوا لاستعادة ما يعتبرونه حقهم المقدس والحصري بحكم اليمنيين.

اتضح ذلك بوضوح أيضاً عند إسقاطهم لأهداف ثورة سبتمبر من ترويسة صحيفة الثورة الرسمية قبل تراجعهم عن ذلك نتيجة انتقادات مؤتمرية في مرحلة شراكة الطرفين، ومن محتواها بعد سيطرتهم عليها الذي لم يرد ضمنه بأي يوم من الأيام انتقاد لنظام حكم الأئمة البائد، بل تمجيد لمن انقلبوا عليها وعلى نظامها الجمهوري.

إنه موقف لا يستطيع الحوثيون إخفاءه ولو لبسوا طاقية الإخفاء أو مصباح علاء الدين، فلم يرفعوا، باعتبارهم المسيطرين على صنعاء وغيرها، أي شعار خاص بثورة 26 سبتمبر، ولم يرفعوا علم اليمن الجمهوري على أي مؤسسة حكومية، ولم ينشروا صور شهدائها وقادتها في أية لوحة لهم في شوارع وجدران المدن الرئيسية على الأقل، بينما امتلأت الشوارع والجدران بصور قتلى الجماعة، وشعاراتها، ولم تزل.

لم يقم التلفزيون والإذاعة، الذين قامت الجماعة بالاستيلاء عليهم ضمن مؤسسات الجمهورية اليمنية، ببث أي مشهد لثورة سبتمبر، ولا قامت الإذاعات المحلية، التي ملأت ولوثت مسامع اليمنيين بشعارات الجماعة ومناسباتها الأسطورية الطائفية، بنشر أي خطاب سبتمبري، ولا قالت لليمنيين إن هناك ثورة شعبية أطاحت بنظام الأئمة ذات صباح يمني خالد.

هكذا قامت ثورة 26 سبتمبر بعد 56 عاماً على انطلاقها بتعرية الأمة الجدد، وأزاحت عن وجوههم مساحيق الجمهورية الزائفة التي يحاولون الحديث بخجل عنها عند الضرورة، فلم يعد الشعب اليمني قابلاً للتجهيل ولا الاستغفال بعد اليوم.

وإذا كان موقف الحوثيين من 26 سبتمبر 1962، غير مستغرب لأي متابع وأي يمني عادي غير منتم للجماعة، فإن المستغرب فعلاً هو نجاح هذه الجماعة في تضليل بعض من يقفون شكلياً في صف الشرعية، ودفعهم من انتقاد انقلاب الحوثيين على جمهورية اليمنيين إلى انتقاد أولئك لاحتفال العميد طارق صالح بذكرى سبتمبر مع قواته بالساحل الغربي.