تساكن الجماعات الإرهابية في البيضاء.. "لعنة" وصاية حزب الإصلاح ومركزية مأرب

السياسية - Saturday 19 January 2019 الساعة 01:39 pm
البيضاء، نيوزيمن، خاص:

تركت البيضاء مسرحاً للجماعات الإرهابية، وتعايش الحوثي والقاعدة وداعش في مناطق متقاربة، وكف الإصلاح عنها جميعاً جهود معركة التحرير، واحتكر لنفسه مقدرات المحافظة وامتيازاتها عسكرياً وإدارياً، ويحافظ على هذا الوضع متصدياً لأية محاولات لتغييره.

بينما تتشعب مناطق السيطرة هذه بين داعش والقاعدة في قيفة، وتتقاطع في "يكلا"، ولا تبعد مواقع الحوثيين عن مواقع التنظيمين الإرهابيين أكثر من رمية حجر، فإن أبناء المديريات والمناطق (المحررة) ‏لم يكونوا أسعد حالاً.

ويعبر هؤلاء عن خيبة أمل كبيرة، بسبب طريقة إدارة الشرعية لتلك المديريات التي جعلت منها قطاعاً حصرياً لحزب اﻹصلاح يديرها من محافظة مأرب كيف يشاء، ولم تصغ الشرعية لاحتجاجات ومطالبات البيضانيين المستمرة بإسناد مسئولية التحرير وقيادة المعركة والمحافظة لأبناء البيضاء وإبطال صلاحيات وصاية وتسلط الإصلاح.

جماعات متساكنة وخطاب الإنكار

في وقت يفرض تنظيما القاعدة وداعش وجودهما ويتقاسمان النفوذ على الأرض ويقيمان المعسكرات قريبا من بعضهما في قرى "فيفة" وعلى مرمى حجر من تواجد الحوثيين فيما يشبه مثلثا متهادنا متساكنا، فإن النفوذ الذي يمارسة ويتحكم في مخرجاته من قرارات وتعيينات وخطط عسكرية حزب الإصلاح انطلاقا من مركزية سلطة تأسست على هامش السلطة وأخذت دورها وقرارها في مأرب، يكمل أضلاع مربع الأحجية البيضانية، التي تتقاذفها أربع مسميات تشاركت هوية الإسلام السياسي وتتبادل منافع التبرير للتواجد وشرعنة المصالح الخاصة من دون اي خطط أو تصورات للحسم وتحرير البيضاء.

مع كل جريمة وتسجيل مصور يبثه داعش أو القاعدة بعمليات قتل وتصفية وحشية لمجندين أو مواطنين عاديين تعرضوا للخطف في محافظة البيضاء، ينبري خطاب إعلامي متطرف في الإنكار ونفي الجريمة عن مرتكبيها حد إنكار تواجد (يملأ الآفاق) لأي من التنظيمين الإرهابيين.

ولا يتوقف الأمر هنا، وزيادة في التضليل وحماية الوجود الإرهابي، يصار إلى إلقاء الاتهامات بالمسئولية على أطراف بعيدة وشريك فاعل في محاربة الإرهاب، أدمن إعلام وخطاب الإخوان تجيير القضايا والملفات والمشاكل باتجاهها.

والأمر هكذا، يغذي تواجد المجموعات الإرهابية ويسهم دائما في تشتيت الأنظار والاهتمامات عن ضرورة مواجهتها والتصدي لها، لأن الإصلاح يريد الإبقاء على البيضاء محمية مغلقة عليه تدار مركزيا من مأرب سواء عبر قيادات الحزب في المنطقة العسكرية او حتى عبر التعيينات الوظيفية الإدارية في السلطة المحلية.

تعايش الحوثي والقاعدة وداعش

تضج يوميات البيضاء بشواهد التعايش الفعلي بين الحوثيين والقاعدة وداعش، في مديريات محافظة تتناوب قوى مسلحة وتنظيمات إرهابية مهام السيطرة على مناطقها،
حيث ترزح مديريات رداع السبع تحت نير المليشيا الحوثية التي لم تدخر جهدا منذ 2014 في قتل المواطنين وحصار عدد من القرى لتركيع أبنائها، فيما قامت مجاميعها باقتحام منازل المواطنين وإعدام أطفال بعد خطفهم من منازلهم وترويع أمهاتهم.

وفي المقابل تركت المليشيات الحوثية مناطق تواجد تنظيم القاعدة الإرهابي الذي اتخذته ذريعة لاجتياح المحافظة عام 2014م لتعيث في الأرض فساداً دون أن تحاول التفكير في الاقتراب منه، والحال نفسه مع تنظيم داعش الذي ينمو وترعرع تحت بصرها في معسكراته التي لا تبعد عن مواقعها سوى مرمى حجر.

تدرك المليشيات الحوثية جيدا أن تلك التنظيمات "مسمار جحا" الذي يبقيها في البيضاء، كما أن تباهي تلك التنظيمات الإرهابية بنشر مقاطع مصورة بين حين وآخر تظهر ارتكاب جرائم وحشية بحق الأبرياء في محافظة البيضاء يكرس وجهة نظر المليشيا عن أهمية وجودها لاسيما عند المجتمع الدولي.

ولا يقتصر المشروع الكارثي الذي تتبناه التنظيمات الإرهابية وعدم التصدي لها من قبل الحوثيين منذ 2014م على البيضاء وحدها، بل امتد إلى أبناء المحافظات الأخرى، حيث تعتبر المحافظة نقطة ارتكاز لانتقال مسلحيها إلى محافظات أخرى أبرزها شبوة التي تعاني الأمرين جراء استمرار تدفقهم عبر محافظة مارب لتنفيذ عمليات إرهابية وزعزعة الأمن وإقلاق السكينة العامة.

مركزية مأرب ولعنة وصاية الإصلاح

خيبة أمل كبيرة مني بها أبناء المديريات والمناطق المحررة الذين ‏لم يكونوا أسعد حالا، بسبب طريقة إدارة الشرعية لتلك المديريات التي جعلت منها قطاعا حصريا لحزب اﻹصلاح يديرها من محافظة مارب كيف يشاء.

والشواهد كثيرة على تسرب اليأس إلى النفوس من جدية ونية قيادات الإصلاح في الجيش لتحرير البيضاء وتأمينها.

لكن الأمر لا يقتصر فقط على التحرير، يقول مواطنون في المديريات المحررة إن الوضع اﻷمني لم يختلف كثيرا عما كانت عليه من قبل، فالتعسفات التي يواجهها المواطنون غير المنتمين للإصلاح من الوحدات اﻷمنية التي استحدثها الحزب لا تتوقف في الأسواق ونقاط التفتيش، وفي حالات منها وصل اﻷمر لاقتحام منازلهم واحتجاز حريات واعتقال مواطنين خارج إطار القانون وإرسالهم إلى المعتقلات في مأرب.

يجاهر رجال ووجهاء وازنون في مديريات البيضاء بالقول صراحة إن هناك مشروعاً لقيادات عسكرية من تجار الحروب للاسترزاق.

جبهة "قانية" أضحت سيناريو شبيهاً بسيناريو نهم، فالمعارك حتى اليوم لا تزال تدور في قانية (التي تحررت في منتصف أبريل 2018م) ويستمر الكر والفر والضحية هم المدنيون بالدرجة الأولى.

لا يتقبل الإصلاحيون هنا أن تعطى الفرصة لقوات محور أبين حتى تمضي في المعركة وتكتسح معاقل الإرهابيين المتعايشين. قيل الكثير عن تحبيط وتأخر وانصراف قوات وألوية الإصلاح في قانية بالذات عن مؤازرة وحماية ظهر قوات بحيبح.

إهانة الذات البيضانية وملشنة الجيش

لقد ضاق أبناء البيضاء ذرعاً من وصاية قيادات حزب الإصلاح في محافظة مأرب على محافظتهم.

يشكو البيضانيون بمرارة، كيف أنه لا يتم أي قرار تعيين إلا عبر حزب الإصلاح ولأعضاء منهم، بينما يتم تهميش أبناء المحافظة وعدم ضمهم وإدماجهم في الجيش أو الأمن.

بالإضافة للابتزاز والتخاذل المتعمد من قبل تلك القيادات في مواجهة ميليشيا الحوثي في جبهات البيضاء والتهرب من الحسم العسكري.

فضلاً عن تحويل جبهات القتال إلى بوابة للاستثمار وإخضاع ألوية الجيش والجهات الأمنية لمعايير حزبية وليس وطنية، إضافة إلى تردي الخدمات العامة في المناطق المحررة وإهمال احتياجات ومطالب المواطنين.

يقول الإعلامي في مقاومة البيضاء عامر الحميقاني إن "أهم جبهات البيضاء التي وقفت من البداية في وجهة الميليشيات محاربة من الفاسدين بالهرم العسكري والسياسي للشرعية، وحربهم علينا لا تقل عن حربنا مع الميليشيـات الحوثية على الأرض".

وعن أسباب هذه الممارسات والسلوكيات التي تتصاعد أصوات المعارضين لها في المحافظة يقول المواطنون، إن تلك الوحدات شُكلت بمعايير حزبية حيث دفع اﻹصلاح بكوادره ليضمن عدم خروجها عن نفوذه، راميا عرض الحائط بالهدف اﻷساسي الذي أنشئت من أجله وهو حماية المواطنين.

وهي المشكلة نفسها التي تواجهها جبهات القتال في البيضاء التي تولى الحزب اختيار أماكن فتحها وتشكيل ألويتها وتعيين قياداتها.

يكابر الإصلاحيون ويغامرون باسم الشرعية وباستخدام مقدراتها وسلطاتها، كلما جوبهوا بحقيقة "أن أبناء البيضاء لا يريدون الإخوان المسلمين ولا جيوشهم، ولو أن أبناء الأرض معهم لكانوا قد أخرجوا مليشيات الحوثي منذ وقت مبكر"، بحسب أحد وجهاء المنطقة.

المقاومة البيضانية.. خطاب في درج الشرعية

ونتيجة لكل ما سبق، تعالت اﻷصوات الساخطة من الفشل الذريع في إدارة المديريات والمناطق المحررة ورفعت الشكاوى دون أن تجد آذاناً صاغية.

داعش والقاعدة والحوثي والإصلاح.. يتقاسمون البيضاء ويتوزعون جبهاتها

ومن تلك الشكاوى رسالة بعثتها قيادة المقاومة الشعبية بالمحافظة لهادي في مارس 2018م قالت فيها إن "قيادات الإصلاح تستخدم السلطة التي بأيديهم والمتواجدة في محافظة مأرب لعرقلة دمج مقاومة البيضاء بالجيش الوطني والأمن لمدة لا تقل عن عام ونصف مع حرصهم على تسجيل افرادهم في ألوية الجيش الخاصة بهم مثل اللواء 117 رغم أن أكثرهم غير مشاركين في جبهات البيضاء المشتعلة".

حراك شعبي ضد الوصاية

ومع تصاعد ممارسات حزب اﻹصلاح في المحافظة واستهتارهم بمطالب أبنائها تأسس حراك شعبي، وطالب مئات المنضوين فيه من جميع المديريات تسليم المحافظة ﻷبنائها واستقلاليتها من أي وصاية ووقف تدخلات اﻹصلاح في الأجهزة اﻷمنية ومحور البيضاء والألوية التابعة لها.

كما طالبوا باستيعاب المجندين الجدد والمنضمين من أبناء البيضاء في المنطقة العسكرية الثالثة وتشكيل كتائب بقيادات عسكرية مستقلة من أبناء المحافظة لاستكمال تحريرها.

جرائم فساد وسرقة الشهداء

كما أرسل 34 موظفا مدنيا وعسكريا شهادات مكتوبة أدلوا بها لهيئة مكافحة الفساد والمؤسسة الإعلامية للشفافية ومكافحة الفساد وممهورة بتوقيعاتهم عن جرائم فساد مشهودة اقترفتها قيادات عسكرية ومدنية في المحافظة؛ مطالبين في الوقت نفسه بتشكيل لجنة للتحقيق بتلك القضايا ومنها: اجتزاء الاكراميات وخصم وإسقاط أسماء من كشوف رواتب الجنود والأفراد والجرحى.

وأشاروا في شهاداتهم أنه لم يسلم من فساد هذه القيادات حتى أسر الشهداء الذين قادوا معارك تحرير قانية من قبائل "بني عبد ومسعودة مراد والعر آل عواض فيما كان قادة الألوية المكلفة بالمهمة ينعمون بالنوم في فنادق مأرب.

ولامتصاص غضب أبناء البيضاء صدرت في يوليو 2018 قرارات غير جوهرية بإقالة قائد محور البيضاء وقادة ألوية عسكرية في المحور وتعيين بدلاء عنهم، في خطوة يرى المواطنون أنها شكلية ولا تستوعب مطالبهم.