من (القَطرَنَة) إلى (الحوثَنَة).. حروب الكهنوت ضد القبيلة اليمنية (2-2)
السياسية - Tuesday 12 March 2019 الساعة 11:12 pm
خلال اعتصاماتها حول مداخل العاصمة صنعاء تحت عناوين إسقاط الجرعة الحكومية في المشتقات النفطية عام 2014م، كانت مليشيا الحوثي، حينها، تطالب أبناء القبائل في المناطق السكنية المحيطة بصنعاء، توفير الخبز كسلعة غذائية للمعتصمين في المخيمات. إنّ فرض إعداد وتجهيز سلعة الخبز في الموروث الفكري للقبيلة اليمنية له أكثر من دلالة ومعنى وليس أمراً هيناً أو اعتيادياً، كما يتصوره البعض، فحسب الشيخ أحمد النهمي، إن بعض القبائل لا تستسيغ فكرة إعداد الخبز لتغذية المقاتلين أبداً أياً كانت هذه الحروب، لكنها لا تتردد عن المشاركة في القتال بالرجال والمال.
> من (القَطرَنَة) إلى (الحوثَنَة).. حروب الكهنوت ضد القبيلة اليمنية (1-2)
ويعتقد الشيخ النهمي أن مليشيا الحوثي بتلك المطالب إنما ألقت بالونة اختبار أولية لقياس مستوى الولاء والطاعة، أو جس نبض القبيلة تجاه مساعدة/ معارضة السلطة الجديدة، ووضع نتائج ذلك في جدول حساباتها المستقبلية، وهو ما نشهده اليوم في مواجهات متفرقة مع قبائل يمنية في أكثر من محافظة.
استثارة غيرة القبيلة
وعند كل مأزق حربي وهزيمة عسكرية تتعرض لها مليشيا الحوثي، تلجأ لاستثارة غضب القبيلة بالترويج لقصص إعلامية مزعومة تتمحور حول جسد المرأة وشرف القبيلة المهدور (....)، مدعية دفاعها عن الكرامة والشرف، ومستثيرة بذلك غيرة القبيلة للدفع بأبنائها وأموالها لرفد وحماية جبهات الحوثي المهددة بالانهيار، وفي هذا السياق يرصد الناشط المجتمعي عبدالله الهمداني، حالة من الانفصام والتناقض الفج في سلوكيات الحوثي، فهي "من جهة تبدي حرصها على كرامة اليمنيين، ومن جهة أخرى لا تألو جهداً في التعريض بالمرأة والقبيلة اليمنية واليمن بشكل عام على الملأ.."، مضيفاً "لا ضير هنا لدى مليشيا الحوثي في إخبار العالم كله بالواقعة المزعومة، مقابل تحقيق مصالحها المرتبطة بأجندات إيران بالدرجة الأولى"..!
مدنية "قبلية" يمنية، وأيديولوجية "حوثية" إيرانية
رغم وصمها دائماً بامتلاك السلاح والثأرات وإيواء عناصر تخريبية ومنازعة الدولة في وظائفها وتلقي مشائخها أموالاً من دول خارجية، فلقد سجّلت القبيلة اليمنية حضورا لافتا وقويا في مؤتمر الحوار الوطني المنعقد في اليمن عام 2013م، ليس بوصفها مكونا سياسيا منكفئا على ذاته، كما هي مليشيا الحوثي التي شاركت فعاليات مؤتمر الحوار كمكون سياسي في طور النشأة، فيما جاءت مشاركة القبيلة أعم وأشمل من ذلك بوصفها أفرادا منصهرين في مكوناتهم السياسية والمجتمعية والحقوقية والمدنية تحت إطار يمني خال من الشوائب، وحسب مراقبين سياسيين فإن القبيلة اليمنية بذلك أثبتت قدرتها على الانصهار والتأقلم مع المستجدات والتحولات النوعية بسرعة فائقة، على عكس مليشيا الحوثي التي عجزت خلال تلك الفترة عن التحول لحزب سياسي مدني يؤمن بالقيم الحضارية والتعايش والتحرر من الأيديولوجيات العقدية والارتباطات الخارجية، ولعل تفجير المليشيا للحروب عقب مؤتمر الحوار الوطني واستمرارها حتى اليوم مستهدفة القبيلة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، خير شاهد على ذلك.
تحركات حوثية لتأسيس صراعات مجتمعية قبلية
تتعدد أدوات الحرب الحوثية التدميرية ضد القبيلة اليمنية أفرادا وقيما مجتمعية ومبادئ وطنية، تجهيل متعمّد للأبناء وإفقار ممنهج للمزارعين وانتهاك منظّم لحقوق المرأة والطفل. وفي تطور لافت لهذا السياق، كشفت مضامين ما سميت وثيقة الشرف القبلي الحوثية، نوايا المليشيا الحوثية لاستباحة دماء معارضيها ونهب ممتلكاتهم وسلب حقوقهم المدنية والإنسانية. ويرى القيادي المؤسس في الجماعة، محمد عزان، أن مليشيا الحوثي تسعى من وراء هذه الوثيقة لإيقاظ العصبيات وحشد الغوغاء لتدمير ما بقي من قِيَم القبيلة، معتبراً مضامين الوثيقة تفتح باباً جديداً من أبواب الفتنة وتمزيق ما بقي من أواصر القربى بين أبناء الشعب اليمني، مطالباً في هذا السياق المحافل الدولية والمنظمات الحقوقية وجميع عقلاء العالم بإدانة هذه التحركات المتوحشة وحماية الشعب اليمني من هذا العدوان الغاشم.