تمديد الحصانة البريطانية وتمدُّد الحوثيين وتجاوز اتفاق الحديدة

تقارير - Wednesday 29 January 2020 الساعة 10:00 pm
عدن/المخا، نيوزيمن، أمين الوائلي:

صدَّقت الأحداث والمعلَن جهاراً وتتابعاً في تصريحات وبيانات وأحاديث صحفية لمسئولين يمنيين وبريطانيين وأمميين ما كان انفرد نيوزيمن بكشفها من معلومات ومعطيات في كوليس لقاءات وغرف مغلَقة، وما استشرف من مسارات ضمن ما بات يُقال عنها "استراتيجية" جديدة ومختلفة للتعاطي مع قضايا الأزمة والحرب في اليمن وبصدد إنهاء مفاعيل ستوكهولم وزيادة التمكين لوكلاء إيران برسم المملكة المتحدة.

لم نكن ننجِّم، كما جادل البعض يومها، في مطلع العام الجديد وفي يومي 8 و10 يناير/ كانون الثاني، عندما نشر نيوزيمن بالتتابع، تقريرين على صِلة بتحرُّكات بريطانية وتوجُّهات المبعوث الأممي ولقاءات مع كبار مسؤولي الشرعية اليمنية في العاصمة السعودية الرياض، واتصالاً بما انقطع عسكرياً على شكل مكاسب سرعان ما سيعبِّر عنها تصعيد مفاجئ ومباغِت في شمال شرقي صنعاء وباتجاه الجوف ومأرب.  

الحصانة والمكاسب 

كانت المصادر والمساقات التحليلية في تقريري نيوزيمن، أول من انفرد وطرح عنوان "تجاوز اتفاق الحديدة ومسار ستوكهولم" في الإعلام مانشيتاً رئيساً، كمحتوى لمضامين تحرُّكات السفير البريطاني والمبعوث الأممي. كما هو الحال مع توجُّه جديد وضاغط نحو استحداث مسار التفاوض الشامل، واعتماد هدف الحل النهائي والموسَّع أو الشامل بديلاً عن مسارات واتفاقيات السويد وجولات الحوار اليمني اليمني في جنيف وسويسرا والكويت والسويد. حتى أكدت التطورات المتلاحقة، خلال الشهر نفسه، صحة ما كشفه الموقع واستشرفه بالمعلومة والمصادر والتحليل.

يتعلق الأمر خصوصاً بزيادة التمكين وتجديد الحصانة البريطانية للحوثيين، حال تسلط الأنظار بتزايد على وكلاء إيران وأدواتها الهدَّامة في العراق ولبنان واحتدام الاحتجاجات العارمة في البلدين ضد تحكم ونفوذ وكلاء طهران وعملائها، وجاء تقرير نيوزيمن في 8 يناير / كانون الثاني 2020 تحت عنوان: "تحرُّكات السفير أرون تجدد "حصانة بريطانية" لوكلاء إيران في اليمن"

وفي ضوء تطورات ومتغيرات راحت تتجمع بالتوازي مع تصاعد الانتقادات والاتهامات حيال فشل تنفيذ اتفاق الحديدة ومرور أكثر من عام دون إحداث أي تقدم والاكتفاء بمكاسب الحوثيين وتمكينهم بعد إنقاذهم أولاً، ومنع استكمال تحرير الحديدة واستنفاد مارتن غريفيث كافة الحيل والمسوغات أمام الرأي العام والإعلام وفي إحاطاته الدورية إلى مجلس الأمن، كان تقرير نيوزيمن في 10 من الشهر نفسه يستقصي ما وراء المعلن من معطيات فعنون "مساعٍ بصدد محادثات يمنية تسقط "شروط الحديدة" لحساب "الأمر الواقع"

تناغم مزعج

خلال أيام قلائل وفي أجواء التمدُّد العسكري الحوثي حرباً ومعاركَ أطلقتها المليشيات في نهم والجوف ومأرب، توالت تصريحات وإفادات وزراء ومسئولين ومتحدثين في حكومة عبدربه منصور هادي ومن ثم السفير البريطاني والمبعوث الأممي (البريطاني) ومع هؤلاء كانت أيضاً بيانات ومواقف رسمية أوروبية وبريطانية وأمريكية توجها وزير الخارجية مايك بومبيو، يوم الثلاثاء، بنفس المستوى من التناغم والحدود السياسية التي انتظمت كافة المستويات والمتحدثين يمنياً وبريطانياً ودولياً وأممياً.

وبينما توالت تصريحات وزير الخارجية محمد الحضرمي، بدأها بتغريد في تويتر، ثم ناطق الحكومة راجح بادي، وبعده وزير الإعلام معمر الإرياني وختمها نائب الرئيس علي محسن الأحمر، وفي مجملها بصيغة التشكّي والتحذير والتنديد، بالإشارة إلى انتهاء فعالية وجدوى اتفاق ستوكهولم/ الحديدة وكيف أنه تحوّل إلى مشكلة وليس حلاً.

لكن ذلك ترافق مع رفض رسمي متشدِّد للدعوات الشعبية والسياسية والإعلامية إلى إعلان انتهاء العمل بالاتفاق وإصدار قرار رسمي بذلك، ما أبقى الحديث عن الاتفاق سلباً كنوع من أداء إعلامي وسياسي مراوغ وانتهازي أملته مقتضيات استراتيجية متكاملة قيد التفعيل والإعلان المتدرج والمتسارع، تمهيداً للانتقال الصريح إلى أجواء نقاش وأداء جديد ومرحلة مختلفة كلياً تتجاوز ستوكهولم كواجبات على الحوثيين وتستبقيه قيداً أمام القوات في الطرف الآخر.

حلقات في مسار

وبينما انتقل الحوثيون إلى مراكمة مكاسب جديدة في مكان/أماكن أخرى، حرباً وتصعيداً غير مسبوق حالفه تراخٍ عجيب وفراغات وأخطاء استراتيجية فاحشة وغريبة في جبهة نهم الاستراتيجية خصوصاً وغير منفصلة عن مأرب والجوف بالصيغة التي حدثت وتستمر في التداعي، كانت الردود والمواقف الأممية والبريطانية تتحدث عن عدم فائدة اتفاق ستوكهولم والحديدة وانتهاء الحاجة إليه والتطابق حول عنوان جديد سوف يحتل الواجهة من هذه الساعة والمناسبة "استراتيجية جديدة على أساس مفاوضات الحل الشامل والنهائي".

ومع هذا، أيضاً، تكرَّرت الدعوة إلى وقف التصعيد والعودة إلى التهدئة من دون أن يكون ثمة إعلان رسمي من قبل يصبغ على هدوء الجبهات الطويل صفة الاتفاق الضمني غير المعلن.

أخذت المعطيات المتجمعة شكل المشروع المتفق، وتوزعت الأطراف على هذه الكيفية الإعلان عن معالمه ووضعها في صدارة الإعلام والنقاش السياسي المباشر حتى بإزاء حرب مستعرة ومعارك عنيفة استأنفتها المليشيات الحوثية دون هوادة وقابلها انكسار مرير وخطير في المعسكر الشرعي وجبهات شمال شرق العاصمة وحتى تخوم مأرب مركز الثقل العسكري والإداري والسياسي والقبلي والاقتصادي للشرعية والقوى التي تستحوذ عليها تمثيلاً وقراراً وامتيازات.

عام جديد.. استراتيجية جديدة

كانت تحرُّكات بريطانية نشطة استأنفها سفير المملكة المتحدة لدى اليمن مايكل أرون مع دخول العام الجديد عبر لقاءات منفصلة مع كل من رئيس مجلس النواب ووزير الخارجية ومستشار رئيس الجمهورية رئيس اللجنة السياسية لمتابعة تنفيذ اتفاق الرياض وآخرين.

وبينما تسلطت الأنظار بتزايد على وكلاء إيران وأدواتها الهدامة في العراق ولبنان، وتصنف الولايات المتحدة ودول أوروبية جماعات ومليشيات عراقية موالية لإيران كمنظمات إرهابية، فإنّ التحرُّكات البريطانية كانت مستمرة في توفير غطاء لذراع إيران في اليمن وفرض المليشيات الحوثية قوة ولاعباً وطرفاً رئيساً إن لم يكن أولاً.

وأورد نيوزيمن، في 8 يناير/كانون الثاني، لمصادر يمنية مطلعة، أنّ التحرُّكات البريطانية الأخيرة تتبنى رؤية مارتن غريفيث والدفع إلى انعقاد جولة محادثات سلام قبل استكمال تنفيذ أي من اتفاقات ستوكهولم الثلاث خصوصاً المتعلقة بالحديدة.

خلال ذلك كان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، البريطاني مارتن غريفيث، الذي يريد جمع الطرفين الشرعية والانقلابيين الحوثيين في محادثات جديدة، يعول على "الضغوط" الغربية لجلب الشرعية إلى استئناف المفاوضات بغض النظر عن أي شيء آخر (شروط مسبقة) يتعلق بمسار تنفيذ الاتفاقات السابقة.

وفي 10 يناير ذكر نيوزيمن، معلومات سياسية ودبلوماسية كشفتها مصادر واسعة الاطلاع، أن المبعوث استعان مجدداً بواشنطن ولندن لدى السلطة الشرعية ورئاسة عبدربه منصور للموافقة (ولو من حيث المبدأ)على الذهاب إلى محادثات.

وطبقاً لذات المصادر والمعطيات، يقتضي المسار الجديد إسقاط شروط تنفيذ اتفاقيات ستوكهولم الثلاث و"بالأخص تجاوز عقبة الحديدة" وتقييد المشاركة بشرط الانسحاب وإعادة الانتشار والإدارتين المحلية والأمنية. ولكن، أيضا، يتحرَّك هذا المسار باعتماد شروط الأمر الواقع وتثبيتها للحوثيين.

والحقيقة التي تكشفت وتوالت فصولها خلال أقل من أسبوعين، لا تختلف عن هذه المحددات وتؤسس لمرحلة جديدة مختلفة كلياً وبوقائع وظروف ومتغيرات مستجدة سارع إلى فرضها الحوثيون كما سارع إلى الدعوة لتثبيتها البريطانيون ومارتن غريفيث والأمريكيون بصيغة الدعوة إلى وقف فوري للمعارك وإنهاء التصعيد العسكري والعودة إلى مكاسب التهدئة (...) والتشديد على تجاوز شرط اتفاق الحديدة وتنفيذه وطرح استراتيجية الحوار الشامل تحت سقف حل نهائي في سياق من التغني والمناورة المخاتلة بالإشارة والإشادة باتفاق الرياض (الذي يقول واقع التزمين المرحلي الممدد أنه يتعثر بالفعل في التنفيذ حتى الآن).

تقييم محبط لكنه الواقع 

في ضوء حقيقة انكشاف الشرعية عن حالة مزمنة ومتراكمة من العجز والفشل والتواطؤ المريع، مقابل مزيد من الاستئثار والاستئساد والتمدُّد الذي يحرزه ويراكم مكاسبه الحوثيون، فإنّ الغطاء البريطاني الأممي الواضح والمكفول عن جدارة للمليشيات الانقلابية يرجح سيناريوهات التمكين لوكلاء الإيرانيين في اليمن، وزاد من هذا الإيقاع التحرُّك البريطاني المضاعف عقب مقتل سليماني إلى التعويض لطهران في اليمن مكاسبَ إفراغاً لمظاهر التوتر والصدام التي كانت خيَّمت في سماء المنطقة والإقليم.

الاستخلاص الأولي بهذه القيمة محبط للغاية دون شك. لكن من لديه قراءة أخرى بقيمة أفضل وخسائر أقل فلا يتأخر بها.