عبدالغني الشبلي.. جبل مضرج بالتربة السمراء

السياسية - Thursday 20 February 2020 الساعة 09:23 pm
نيوزيمن، عبدالسلام القيسي:

يحدث أن يهبط الجبل من على عرش الغيم ليحقن دم مدينة مثل الحديدة كما الشهيد الشبلي، هبط وتوسّد السواحل بعظمة المشهد..

الشهداء سماوات البلاد

يقدم الشهداء أرواحهم في سبيل الكرامة المسلوبة، بكل ملحمة، ككل مرة وعبر كل عصر كان الشهداء قيمة النضال المثلى، فالشهداء لا يموتون، هكذا عرف البشري قبل أن يقرأ كتاب الله أنهم أحياء في وجدان بلدانهم كما هم عند ربهم يرزقون، الشهداء صرخة الإنسان منذ الأزل في وجه الطغاة والغزاة، فالعالم لم ينس محارب اسبرطة ولن ينس العالم شهيد البلاد علي عبدالله صالح، إنها كلمة الشهداء في عالم الأحياء، هم الروح الحية..

ثمة رجال خلدتهم أنفاسهم الأخيرة، فالشهداء قطعاً وفي أحايين كثيرة أحياء من سواهم، يحدث أن تموت شهيداً لتحيا في ذهنية الوطن أكثر مما تبقى رقما مجهولا يخاف الموت فتخافه المكارم وتفر، ثمة قبضات جمهورية لخصت بحبر من الدم في الساحل العربي حكاية اليمني الذي أثرى جبهات الله والوطن بدمه، بذاكرته، بأنفاسه الأخيرة التي دونت كيف تتعلم وهب روحك لسعادة الملايين الذين تجهلهم لكنهم يعيشون وأنت في تربة الوطن.

للحكاية بدء

هم البداية، انتهاء حيواتهم تعني إشراعهم المجال لمن بعدهم وتسنين الحياة بالموت، فهناك أسماء كثيرة لا تزال عالقة وستزال في شفاه الميادين والناس، أحدهم عبدالغني الشبلي، المقاتل الجمهوري في ديباجة الحراس، وسطر الكفاح الثاني، فالأول كتبته شجاعة صالح ورفاقه في العاصمة، فالشبلي الذي نستلهم روحه اليوم، وغدا، وقبل هذا الحديث لم يبخل بتقديم روحه كقربان للجمهورية الثانية، التي يتقاطر لاستعادتها جمع غفير من اليمنيين.. فمن هو الشبلي وكيف استشهد وأين؟

تقول الحكاية، إن الشبلي من القبعات تلك التي تحافظ على العقيدة القتالية للجنود، فإن كنت بلا قبعة أنت بيدين مرتعشتين وهل تنتصر الأيادي المرتعشة، فالقبعات تجمع الشعاع السماوي الهابط من أعلى، إنها تمغنط الرأس الحر بالجنة، تفك له طريقاً فضائياً يرى مقعده من المجد على هذه الأرض والسماء في الفردوس، فالمجد للشهداء الذين قالوا للموت هيت لك بنشوة الإنسان، وكيف عادت صورته كواقع لم يحض به الأحياء بعد.

في مبتدأ العام الذي نحن فيه قام العميد طارق باستقبال أولاد الشهيد الشبلي، هنا في المخا، كانوا بين يديه كأنهم مع الأب الشهيد، حملق العميد بهم بحنية الوالد، إذ هو والد كل فرد هنا، الميت منهم والحي، وتداولت وسائل الإعلام الصورة، طفلان وبنت، ثلاثة بعمر الزهور قدموا أبوتهم في مذبح الوطن فقدم لهم العميد قلبه، وهاكم الصورة أمامكم لتتحدث، عن الوطن الشهيد، الجندي الذي كان شعلة أولى في درب اليمنيين، طلقة الحق وصرخة الجماهير، كان من أول الذاهبين في قوات حراس الجمهورية إلى الحديدة، افتتح المعركة بروحه، بسطها سجادة للرجال القادمين من الجهات كلها وطفق يعزف النشيد.

لماذا الشبلي أولاً؟

الشبلي كان أول شهيد في مدينة الحديدة، وكان قبل استشهاده قائداً للكتيبة الثانية في اللواء الثاني مقاومة وطنية، ليس هذا فحسب، إذ كان قائد جبهة في صرواح وعند ظهور أولى بوادر ملحمة الساحل الغربي تنقل عبر مأرب إلى هنا ليكون بندقية الجهاد، ومن القصص المشهورة عنه بعد توليه مهام، والحوثي لا يزل هناك، ومن خبرته في إدارة المعارك استطاع تحرير سبعة كيلوات بزمن قياسي لم يتعد أربعة وعشرين ساعة دون إصابة أحد من أفراده، تلك القصة تثبت جدارته في الحرب، فأن تدحر المليشيا من تلك مساحة دون أن يموت أحد من رجالك أو ينجرح حتى لهي المهارة المثلى..

وتكاملت حياته المليئة بالمجد، مجد الفوز بالوطن ليكون أول من دخل مدينة الحديدة فهو من دخل مستشفى 22 مايو متحرقا لتخليص المدينة من الكهنوت الذي أنهك المدنيين، وبينما هو يمر على ثنايا قلبه بعد المستشفى فقد روحه، فقدته البلاد، طار إلى الأعلى ليعيش وقد حملته إلى الجنة عبوة ناسفة، إذ لا يجرؤ أحد على مواجهته، فالرجال أمثاله تغتالهم الحيلة، مثله يخشاه العدو فيلغم طريقه، لكنه مات وقد سطر أروع ملاحم الجمهورية مقبلاً نحو الحديدة بعزم مكلل بالفراديس.

منتهى الحكاية

حكايته بلا نهاية ستظل ترويها شفاه الأجيال عاماً بعد عام، وفي هذا الصدد لا يجب إنهاء ما بدأناه دون أن نذكر من أين هذا الباسل الجمهوري وكيف بزغ من قلب الخسارات وحقق أمجد البشائر في معركته الثاقبة للكهف، فالشبلي ريمي، حفيد القمم، تعلم منها شموخ الجبال ومناطحة السحاب، ولم يحارب الحوثي أول مرة، فمنذ أربعين سنة قاتل ضد مليشيا الكهف، إذ مشاركته في الحرب العراقية الإيرانية من ضمن نضاله الذي بدأ ضد الفرس ولم يكن الحوثي بعد، وتكاملت تضحياته فهو أولهم بمواجهة الكهنوت وممن شارك لفك الحصار عن تعز، وقاتلهم في عدن، وفي ميدي وكان فيها قائدا لعمليات اللواء الثالث حرس حدود، وتقلد في الساحل قيادة كتيبة المهام الخاصة، وكما قلنا وصل الشبلي إلى عمق مدينة الحديدة وتوج مسيرته النضالية في يوم 9 نوفمبر 2018 بالشهادة، أكمل مهمته في الأرض وله في السماء مهمة، لم يغادر بل أسس لمن بعده أسس الإيمان الأسمى بالوطن وأهدى اليمن فلذة نفسه وبه ومن مثله ننتصر..

وقالت الحرب بلسان الشهداء

حدثتنا الحرب أن الشهداء قوابل بلدانهم، فهم ذهبوا لترتيب جهاز لائق لولادة وطن من بين ركام الخسارات، وهم الضريبة الحقة مقابل استرداد الحق المنهوب، فمن يموت كي يحيا سواه، هم شهداء الوطن فقط، من ذهبوا وأحرقوا أهدابهم كي نرى، وفرشوا قلوبهم لنمر بشموخ وعز إلى منصة الوطن، إلى صدر البلاد، هم كواسر كل بلاد، هم بواسلها، هم الجوارح، فالحديث عنهم هين فلا أعز على المرء من روحه لكن وهبوها لنعيش بهناء ولنكتب عنهم ولنكمل مسيرتهم النضالية، لننتصر، لننتصر، ننتصر.