رحلة خصوم "صالح".. من معارضة "التوريث" إلى بناء أنظمة عائلية

تقارير - Monday 13 April 2020 الساعة 11:58 am
صنعاء، نيوزيمن، باسم علي:

يمكن القول إن الحملات الإعلامية التي شنتها أحزاب المعارضة اليمنية ضد نظام الرئيس الراحل الشهيد علي عبدالله صالح تركزت على محورين هما الفساد ومزاعم النظام العائلي.

والملفت للنظر أن مزاعم الاتهامات التي وجهتها المعارضة، آنذاك، والمسماة بأحزاب اللقاء المشترك، بدأت مع أول حرب تشنها قوات الجيش ضد تمرد مليشيات الحوثي بقيادة مؤسسها حسين الحوثي في العام 2004م والتي انتهت بمصرعه، حيث تولت قيادات وصحف محسوبة على المعارضة، آنذاك، وعلى رأسها صحيفة صوت الشورى التي كان يرأسها الصحفي عبدالكريم الخيواني الذي تبين فيما بعد أنه كان أحد القيادات الحوثية تحت مزاعم سعي صالح للتوريث.

ورغم الموقف الديني والسياسي الذي كان يتبناه الإخوان المسلمون في اليمن (حزب الإصلاح) ضد مليشيات الحوثي، إلا أن المثير للاهتمام أن وسائل إعلام هذا الحزب ومن خلفها وسائل إعلام أحزاب المشترك وحتى الدائرة في فلكه انتهجت منذ ذلك الحين سياسة موحدة في اعتماد مزاعم التوريث والنظام العائلي ضد صالح ونظامه وحكومته، وظلت تركز في كل ما تنشره على مفاهيم النظام العائلي والحرس العائلي والأمن العائلي وتوريث الحكم وغيرها من المصطلحات التي كانت ترسخ في أذهان الناس مفهوم ضرورة الخروج على نظام صالح وتدميره بأي ثمن.

وعلى مدى سبع سنوات متتالية وجد المراقب والمحلل لمضمون الموقف السياسي والإعلامي لأحزاب المعارضة ووسائل إعلامها تركيزه على مهاجمة نظام صالح بتهمة العائلية، وكونه نظاما يمنح لأقارب الرئيس المناصب والمسؤوليات في مختلف مؤسسات الدولة دون وجه حق.

ورغم أن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح رد على تلك الاتهامات بتوضيحه في أحد اللقاءات المتلفزة بالإشارة إلى أن من حق كل رئيس أن يأتي بفريقه الذي يساعده في الحكم وإدارة الدولة وأن تعيينه لأقاربه في بعض المناصب العسكرية والأمنية ناتج عن خوفه من حدوث انقلاب عسكري ضده، إلا أنه ظل يتعامل مع الحملات الإعلامية لأحزاب المعارضة على أنها تندرج ضمن إطار حرية الرأي والتعبير.

ومع أن انجرار أحزاب المشترك وعلى رأسها الإخوان المسلمون (حزب الإصلاح) في تبني حملات اتهام نظام صالح بمساعي التوريث والحكم العائلي الذي بدا متزامنا مع أول تمرد لمليشيات الحوثي وعبر إحدى الصحف المحسوبة على حزب تقوده قيادات معروفة بولائها وقربها من مليشيات الحوثي، وتبنيها لنفس أفكارها كان مثيرا للكثير من التساؤلات عن أسبابه وما إذا كان ذلك تماهيا مع أهداف الحوثيين، آنذاك، أم مجرد انجرار مشفوع بدافع الكراهية والحقد على صالح ونظامه والسعي للحلول مكانه في سدة الحكم، إلا أن مضي أحزاب المشترك في ذلك النهج تواصل وبلغ ذروته مع أزمة العام 2011م وخروج تلك الأحزاب إلى الساحات منادية بإسقاط صالح ونظامه العائلي.

وخلال أزمة 2011م كان إعلام الإخوان والحوثيين على حد سواء يرسم في ذهن الناس صورة وردية لمستقبل اليمن ودولتها القائمة على المواطنة المتساوية والشراكة في الثروة والسلطة ونبذ دولة العائلة وغيرها من المزاعم والأكاذيب التي روجت بغية تبرير مطالبهم بإسقاط النظام.

وعقب تسليم صالح للسلطة وفقا للمبادرة الخليجية، اعتقد الكثيرون أن القوى التي تسلمت السلطة ستنهج طريقة واسلوبا جديدا في إدارة الدولة، لكنها مع أول اختبار وجدت أن هذه القوى بدأت تتنكر لكل ما كانت تطرحه من مثالب ضد صالح وما تعلنه من دعاوى المدنية والمواطنة المتساوية والشراكة.

وبدأت ملامح التنكر لتلك الدعاوى مع تمكين الرئيس هادي لأقاربه وأولاده من السيطرة على القرار السياسي للدولة وللحكومة، وتبعه في ذلك قيادات أحزاب المشترك التي استثمرت قيادتها للسلطة في منح أقاربها المناصب واستغلت نفوذها في ترتيب أوضاع أبنائها والمقربين منها.

هادي وشرعية العائلة والأبناء

ومنذ انطلاق عاصفة الحزم التي قادها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات ضد انقلاب المليشيات الحوثية وخروج الحكومة الشرعية برئاسة هادي إلى الرياض، بدأت ملامح المشروع العائلي لهذه الشرعية تبرز إلى العلن بشكل كشف عورة تلك القيادات والأحزاب التي ظلت تتهم صالح ونظامه بالعائلية.

ولم يختلف أسلوب هادي وهو يدير حكومة الحرب ضد مليشيات الحوثي التي انقلبت عليه من الرياض عن أسلوبه في صنعاء، حيث واصل تمكين أبنائه وأقاربه من السلطة بشكل أكبر، وتبعه في ذلك قيادات الأحزاب المؤيدة له وعلى رأسها حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) ومن معهم في تحويل حكومة الشرعية الموجودة في المنفى إلى حكومة عائلية بامتياز.

واستثمرت شرعية هادي ومن معه الدعم العسكري والمالي والسياسي الكبير الذي قدمه التحالف لها في توطين ومنح عوائلهم وأقاربهم المناصب في مختلف مؤسسات الدولة، رغم أن هذه المؤسسات لا وجود لها على أرض الواقع.

ووجد هادي وحكومته الفرصة مواتية لاستغلال الدعم المادي المقدم من التحالف للإثراء والتكسب غير المشروع من خلال تعيين أبنائهم وأقاربهم في مختلف المناصب العسكرية والمدنية وخصوصا تلك المرتبطة بنواب ووكلاء الوزارات أو المناصب الدبلوماسية في سفارات وممثليات اليمن في الخارج.

وكشفت الحملات الإعلامية التي يقودها إعلاميون وناشطون يمنيون عن حجم الفساد المهول الذي تمارسه شرعية وحكومة هادي فيما يتعلق بتمكين وتعيين الأقارب في المناصب والمسؤوليات المرتبطة بالدولة وحصولهم مقابل ذلك على رواتب بآلاف الدولارات، في الوقت الذي قطعت فيه حكومة الشرعية ومليشيات الحوثي رواتب أكثر من مليون ومئتي الف موظف يمني منذ أربع سنوات.

ولا يكاد يمر يوم إلا وتعج وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار التعيينات الأسرية التي تتم في حكومة هادي للأقارب وأبناء المسؤولين والقيادات العسكرية والمدنية.

الحوثي.. العائلية مشفوعة بمزاعم دينية

وفي المقابل فإن مليشيات الحوثي ومنذ انقلابها على السلطة وسيطرتها على مؤسسات الدولة في سبتمبر 2014م مارست نهجا متماهيا مع نهج الشرعية في ترسيخ نظام العائلية في التوظيف والتعيين ومنح المناصب.

وإذا كان أسلوب التكريس العائلي لدى شرعية هادي قائما على مفهوم الفساد المالي والإداري في استغلال السلطة لتمكين الأبناء والأقارب وتحقيق إثراء غير مشروع لهم، فإن نهج التكريس العائلي لدى المليشيات الحوثية يقوم على مفهوم مدعوم بمزاعم دينية مثل مزاعم الحق الإلهي، حيث تدعي هذه المليشيات أحقية الأسر الهاشمية أو الأسر ذات النسب الممتد إلى النبي محمد في الحكم، ولذلك لم يكن مفاجئا أن تسيطر أسرة زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي وأقاربه على كل مفاصل السلطة، فيما منحت الأسر الهاشمية حق التعيينات في كل المناصب داخل مؤسسات الدولة وباتت عملية التعيينات لدى مليشيات الحوثي محكومة بانتساب الشخص لأسرة هاشمية موالية للحوثيين وتابعة لهم.

وعلى النقيض من دعاوى المليشيات الحوثية التي أطلقتها ضد صالح ونظامه خصوصا فيما يتعلق بموضوع التوريث والنظام العائلي، فإن هذه المليشيات تمارس عملية توريث غير مسبوقة بدءاً من توريث عبدالملك لزعامة المليشيات خلفاً لأخيه الصريع حسين الحوثي مؤسس المليشيات، مرورا بسيطرة أسرة بدر الدين الحوثي على المناصب الحساسة والمسؤوليات المهمة والنفوذ القوي داخل مؤسسات الدولة، وصولا إلى تعيين الأبناء والأقارب في مختلف المناصب بعيدا عن أي اعتبارات متعلقة بالكفاءة وأي معايير خاصة بشغل الوظيفة العامة.

وفي الوقت الذي يعاني فيه موظفو الدولة من انقطاع مرتباتهم تستأثر عائلة الحوثي والأسر الهاشمية الموالية لها والتي عين أبناؤها وأقاربها في المسؤوليات بكل إيرادات الدولة التي تصرف عليهم بعيداً عن أي رقابة أو محاسبة أو مساءلة.

وخلافاً لكل الاتهامات التي أطلقتها قوى المعارضة اليمنية ومنها الإخوان المسلمون ومليشيات الحوثي ضد نظام صالح، فإن هذه القوى تنكرت لكل وعودها، وعمدت إلى ممارسة سياسات كرست مفاهيم العائلية في الحكم والسلطة بشكل لم تشهده اليمن من قبل، حتى إن أسلوب التعيين العائلي للأبناء والأقارب لدى شرعية هادي ومليشيات الحوثي باتت هي الخطر الذي يدمر مفهوم الدولة في اليمن ويكرس نزعة استئثار السلطة لتحقيق ثراء غير مشروع للعائلة والأقارب لكل من يتحكم بالسلطة والقرار.