سبتمبر الفن: أغنيات العمل.. طعم المواعيد أعنب

السياسية - Sunday 20 September 2020 الساعة 03:11 pm
نيوزيمن، كتب/ عادل الأحمدي:

حينما كان الهواء السبتمبري يملأ رئة الشاعر والفنان، كان ثمة موجةٌ مدروسة من الفن الموجّه نحو الزارع والعامل والصياد والعاشق والجندي والتلميذ، تربط الوطنية بالإنتاج، والحب بالبن، والصبر بالنصر.

رائعة مطهر الإرياني وعلي الآنسي (الحب والبن) مثال على ذلك، ثم على ذات السياق، غنّى محمد حمود الحارثي للعامل في المصنع في رائعته "مصانع باجل"، والتي اختفت تماما من وسائل الإعلام، وليس لها أثر في مواقع الفيديو على الانترنت، تماما مثلما اختفى أوبريت "سد وادي سبأ"، الذي كان قطعة فنية آسرة منتصف الثمانينات.

ضف إلى روائع الآنسي، العديد من أغاني أيوب طارش الذي أنشد للزارع والراعي والمغترب والعريس بمفردات تنمّي في المتذوق بواعث الوفاء وتساعده على إكمال الحياة:

كم يسألوني الناس عن أُنسي وإيناسي القديمْ

الناس في وادي وقلبي وسط وديانك يهيمْ

أمشي بريحاني وألحاني وأسأل عنك أفواج النسيمْ

واضم كل الزهر أشمّك فيه واحضن كل ريمْ

وارتبطت كذلك، أناشيد العمل والإنتاج بالحث على النزاهة والعصامية:

ما في المقايل لنا خير

ولا السؤال من يد الغير

في الثمانيات طاف الشاعر عثمان أبو ماهر والفنان أيوب طارش مناطق عديدة في الشمال، مستلهمين ألحان العمل والزراعة وخرجوا بأعمال رائعة من بينها "ألا وهيامة"، و"لحن الحقول"، ومن كلمات أبو ماهر خاطب أيوبُ ابنَ تهامة في أغنية

"وا زخم" يحثه على الزراعة:

عروسة امبحر تدعي لك وا خيَّ امقمرْ

تقول يا ابن التهايم حان غرس امشجرْ

غرّس وأنا بامعرق شاروي عروق امشجرْ

وللصياد غنى أحمد فتحي طالباً من نوع من العواصف يسمى "أزْيَب" أن يتوقف عن الهبوب لكي يتمكن الصياد من التقاط رزقه، خصوصا وأن قارِبه يصارع الأمواج وسط الظلام الحالك:

وا ازيَب قَر وا ازيب قَر

امّحبوب في خطر

موج البحر ما استقر

لا نجمة ولا قمر

أستاذ الفنانين محمد مرشد ناجي كان يعزف من عدن، ذات السمفونية الرائعة، واصفاً القطن داخل المحالج: "يا محلاه في المحلج، يا محلاه يترجرج".

بينما يتغزل الموسيقار أحمد السنيدار بجانيات عناقيد العنب، بلحن فرائحي مزغرد:

يا جانيات العناقيدْ

طاب العنب طاب يا غيدْ

والله لا اسامر الجيدْ

لوما تضي المضيُة

وعن العنب أيضا غنى أيوب من كلمات الشاعر يحيى منصور "غردين يا طيور"، وفيها: يا عنب يا عنب، طعم المواعيد أعنب، من ذوات الحواجب".

وإلى جانب هؤلاء كان الثلاثي الكوكباني حالة فنية فريدة تغني للصباح والحب والجمال. ومعهم جميعا كانت كل أغنية عاطفية هي أغنية وطنية بالضرورة.

ثقافة الإنتاج هي أخت ثقافة الوطنية، وأخت ثقافة الحشمة والصدق والوفاء، وكلهن بنات الأدب الرفيع والقراءة العميقة لليمن المدفون في عيون الكتب وأشواق الناس.

كان ذلك قبل أن تبُث مخلفات الإمامة سمومها من جديد، ليضرب الهلع أصحاب الأقلام الجميلة التي تركت مضمار نفوذها الوجداني وحاولت اللحاق المحموم بعجلة المترفين.

في الوقت الذي عانت فيه البلاد من سلبية المثقف الأصيل وحنكة المثقف الهزيل، إلى أن تسيّد السياسي على المثقف، وأصبح الصحفي أسيراً في إبط الحزب أو المنظمة، ووقع الفنان في قبضة تاجر المخدرات.

كل ذلك أدى إلى هذه الارتكاسة التي دفنت كل شيء جميل، وجاءت بشيء مسخ يتجسد أكثر ما يكون، بنباحيات عيسى الليث.

ذلك الفن العظيم، هو نتاج ال٢٦ من سبتمبر وال١٤ من أكتوبر، وقد كان رديفا لكل معاني الحياة والسعادة والنشاط والجمال.

بينما هذي المسوخ التي تلوث حياتنا اليوم، هي نتاج مخلفات الكهانة، وقد صارت رديفاً لكل معاني الموت والضياع والفاقة والمذلة.

ينبغي على اليمني أن يستعيد شبابه وشُبّابته، وأن يحطم بورزان النحس والدبور، وأن يحسم بكل حواسه معركة المصير، مردّدا مع أيوب:

هذي بلادي.. وانا فلاحها والبتول

* نقلا عن مركز نشوان الحميري للدراسات