استكهولم.. الفخ الذي ضاعف المعاناة وأنهك البلد

تقارير - Thursday 08 October 2020 الساعة 11:01 pm
الحديدة، نيوزيمن، تقارير خاص:

لم تكن "اتفاقية استكهولم" برعاية أممية والتي تمت في 13 ديسمبر 2018 أمراً استثنائياً في عالم الديبلوماسية بحسب المرقبين، بل فخ نصبته السياسة الدولية تحت مسمى "هدنة" لحل الأزمة اليمنية.

وبمساعدة دول إقليمية وغربية، ومصالح مشتركة، واجندات؛ الظاهر منها أقل من الخفي تحت الطاولة، وصلت الحالة الإنسانية لليمنيين إلى هذا المنحنى الخطير.

تحت ذريعة إيقاف المعارك وقطع الطريق أمام تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي لمدينة الحديدة، واحتمالية عدم وصول المساعدات الغذائية، في حال احتدمت المعارك التي ستؤدي إلى تحرير المدينة، بين قوات المقاومة ومليشيا الحوثي ذراع إيران في اليمن.

تم إيقاف المواجهات، لكن لم يتم إيقاف القتل؛ الذي استمر وبشكل يومي، بإطلاق قذائف الهاون العشوائية، زراعة الألغام، ومصادرة الأملاك، بل تضاعفت الحالة الإنسانية لتصبح هي الأسوأ على مستوى العالم.

الأمم المتحدة تقلق

اليوم تعاود الأمم المتحدة إطلاق دعواتها لإيقاف المعارك الجارية التي بدأتها المليشيا في مناطق متفرقة من محافظة الحديدة.

ذات اللهجة ونفس الخطاب جاء يوم الاثنين 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 على موقع الأمم المتحدة. "تشعر بعثة الأمم المتحدة بالانزعاج الشديد إزاء تصاعد العنف، وتحث الأطراف على العودة إلى طاولة الحوار من أجل الوضع الإنساني".

والسؤال البديهي هنا ماذا قدمت اتفاقية استكهولم بعد عامين ونيف على توقيعها بين طرفي الحوثي والحكومة الشرعية؟ أو بالأصح ماذا ستقدم بعد كل هذه المهزلة؟

عامان لم يتم زحزحة ما اتفق عليه من النقاط الثلاث من بينها ملف "المعتقلين والأسرى" وتبادل جثث القتلى وكان هو الملف المزمن.

تؤكد الشواهد أن الاتفاقية لم تستطع الإفراج عن جثة واحدة، ونحن اليوم أمام 18 ألف معتقل بحسب وسائل إعلام عربية وعالمية وبحسب إحصائيات ومصادر محلية.

هؤلاء اليوم أيا كان عددهم، فإحصائيات وزارة حقوق الإنسان اليمنية الشرعية تقول إنهم يتجاوزون ال14 ألفا، جميعهم ينتظرون مسارًا جديدًا ينهي معاناتهم ويحافظ على أعمارهم ويبقي أرواحهم على قيد الحياة.

اعتقالات مستمرة

في ال9 من أيلول/ سبتمبر الماضي تم اختطاف د. عدنان الشرجبي أستاذ علم النفس في جامعة صنعاء، وهو في طريقه للإشراف على سير الامتحانات. تم ذلك دون توجيه أي تهمة إليه، وبعد جهود مضنية تم الإفراج عنه يوم الاثنين 5 أكتوبر/ الحالي.

>> العودة لـ"الهجوم".. سيناريو واحد لضرب العمود الفقري للحوثيين في الحديدة

وتعد مسألة الاختطاف أو الاعتقال يسيرة إلى درجة أن أي مشرف يمكن أن يقوم بالعملية، تحت مبررات محاربة "الدواعش أو المرتزقة ومواجهة العدوان".

لدى المليشيا أجهزة عدة تقوم بهذه العمليات، وأشخاص نافذون لهم الحق في اعتقال من يريدون حتى من النساء، أهم تلك الأجهزة "الجهاز الوقائي" الذي يأتي بديلًا لجهاز "الأمن القومي" سابقًا.

بالإضافة إلى ذلك تم تدريب مجموعة كبيرة من النساء على مواجهة الاحتجاجات، واقتحام البيوت وتفتيشها ونهب محتوياتها، أحيانًا منفردات وأحيانا إلى جانب جنود يتبعون المليشيا، يطلق عليهن "الزينبيات".

بداية أغسطس/ الماضي أظهر فيديو مروع لأحد المواطنين قيل إنه من محافظة صنعاء مديرية "بني مطر"، من الذين ينتمون إلى حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو يواجه مجاميع مسلحة تريد اقتحام بيته دون مراعاتهم لأي قانون.

أبناء تهامة ونصيب الأسد

تعرض أبناء تهامة لأبشع الممارسات منذ دخول مليشيا الحوثي مدينة الحديدة واجتياح كامل مديرياتها، قبل أن تتقهقر بفضل مواجهات شرسة من قبل القوات المشتركة، (حراس الجمهورية - العمالقة - القوات التهامية) بإسناد من قوات التحالف وتحديدًا دولة الإمارات.

استمرت تلك الممارسات حتى اليوم، الأمر الذي ضاعف من معاناة المواطنين بشكل عام، فقد تعرض البعض للقتل وآخرون للتعذيب والاعتقال.

ولعل أبرز الأسماء من أبناء تهامة التي تناولها ناشطون خلال السنوات والأيام الماضية، (عبد الله الكولي) المعتقل في سجون صنعاء منذ أكثر من 5 أعوام، وعدنان حجر معتقل منذ أكثر من عام، وحسام أحمد سعيد ورو، وعبد الله ماجد ورو معتقلان في سجون صنعاء منذ 3 أعوام.

وهناك العشرات من أبناء تهامة من المعتقلين في سجن "حنيش" وسجون أخرى داخل المحافظة وخارجها لم تقدم لهم استكهولم ولا مفاوضات الكويت أي شيء.

حجور.. تدمير وقتل

استبسلت قبائل حجور أمام الصلف الحوثي، وقادت معركة شرف دافعت من خلالها عن آخر معاقل الجمهورية، وحين اعتقد البعض أن المعركة معركة الشرعية والتحالف بالدرجة الأولى خاب الظن والاعتقاد.

سقطت حجور أمام آلة وهمجية المليشيا لتصبح حديث الساعة حينها، وانتهى الأمر قتلى وجرحى بالعشرات من الطرفين واعتقالات طالت الرجال والنساء، وما زال بعضهم حتى اليوم يتوزعون على سجون صنعاء وعمران وحجة.

كانت تلك المعركة أحد أوجه التلاعب والأكاذيب التي صاحبت اتفاقيات الهدن الفاشلة، بين طرفي الشرعية والحوثيين وبرعاية أممية وعربية.

تم انتهاك المنازل وتفجير بعضها وإخضاع الناس للأمر الواقع، وهي الجبهة التي كان لديها مفاتيح كثيرة حينها، منها إمكانية دعم الشرعية بخط إمداد ما قد يشكل حافزًا لدى بقية القبائل والمناطق.

ضعف الجهات الحكومية

حكومة الشرعية ساهمت بشكل أو بآخر في خدمة الحوثيين من خلال الرضوخ لمفاوضات فاشلة، إضافة إلى أنها لم تستطع تحقيق أي نصر إنساني بشأن المعتقلين، أو حتى إيصال المساعدات بشكل كامل وسلس.

بل إن هناك من اتهم أشخاصا داخل الشرعية بالمتاجرة وبيع شحنات ضخمة من السلع الغذائية منذ السنوات الأولى للحرب وتحويلها إلى القرن الإفريقي.

اليوم وبعد أن انتحر الحوثيون وبشكل واضح خلال الأيام الأربعة الماضية، من خلال مهاجمة القوات المشتركة في مناطق الدريهمي ومناطق أخرى من عدة محاور.. تلقوا على إثرها ضربة موجعة كانت كافية لأن تعلن حكومة الشرعية بأن اتفاقية استكهولم ماتت وتم دفنها في الدريهمي.

حجم الاعتقالات

أياً كان عدد المعتقلين والأسرى في سجون واقبية المليشيا، فإن الصعوبة الأشد إيلامًا تكمن في عدم الوصول إليهم ومعرفة أوضاعهم وحتى منعهم من الزيارات.

على اعتبار أن هناك من يعانون من أمراض مزمنة، إلى جانب تعرض الكثير منهم للأمراض والأوبئة داخل المعتقلات التي يبلغ عددها، بحسب التقارير، أكثر من 200 معتقل، موزعة على كافة المحافظات المسيطر عليها من قبل المليشيا.

وتؤكد إحصائيات التقارير أن من بين هذه السجون والمعتقلات 78 سجنًا تعمل بشكل رسمي، منها 28 في العاصمة صنعاء فقط، وأكثر من 120 معتقلًا سريًا أغلبها مبان غير مؤهلة تمامًا ولو 5% كحد أدنى.

وقد أكد شهود عيان، أن هذه المعتقلات تفتقر لأبسط الخدمات كدورات المياه، وتوفر مياه الشرب، ومياه الاستخدام اليومية كالوضوء والاغتسال.

إضافة إلى ذلك عدم تعرضهم لأشعة الشمس إلا من هم في سجون رسمية، أما من يقبعون في البدرومات والسجون العسكرية ومجمعات مباني الصالح، فإنهم لا يرون الضوء وليس الشمس وحسب، ويعانون من عدم نظافة الأماكن، ومن الحرارة المرتفعة في الصيف والبرد الشديد في الشتاء.

كما أنهم يتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي بشكل مستمر خاصة في الأيام الأولى لاعتقالهم، هذا غير إجبارهم على التوقيع على أقوال وتقارير لاعترافات ليس لها علاقة بالحقيقة.

إذًا فقد تحولت العديد من المباني الحكومية والمدارس، وبعض الجوامع والمعاهد، وفيل خاصة ومنشآت عسكرية، وحتى أقسام شرطة مجهزة لقضايا جنائية إلى سجون ومعتقلات.

تعمدت المليشيا من فترة إلى أخرى تعريض حياة المعتقلين إلى الموت، الأمر الذي أدى بطيران التحالف إلى ضرب هذه المعتقلات على أن بعضها أهداف مشروعة.

وتفيد بعض التقارير أن الاتهامات موجهة للمليشيا بعد ضرب أكثر من مكان بأنها كانت على دراية بأن تلك الأماكن أهداف مشروعة لطيران التحالف ومع ذلك لم تبال بالأمر، بل إنها كانت تجري تحركات؛ الهدف منها لفت أنظار الطيران.

في الأول من سبتمبر 2019 استهدف الطيران أحد المباني التي تم تحويلها إلى معتقل وكان فيه أكثر من 165 معتقلًا، سقط في تلك الضربة ما يقارب 100 بين قتيل وجريح.

ويتحمل التحالف العربي المسؤولية في كثير من تلك الضربات حيث وإنه بالمقابل كان يتجاهل أهدافا مشروعة وواضحة أمامه.

نساء معتقلات وقصص محزنة

بين عامي 2017 و2020 خرجت إلى السطح عشرات القصص والروايات، وحدثت الكثير من المواجهات بين الحوثيين والزينبيات من جهة وتجمعات نسائية من جهة أخرى.

أسفرت تلك المواجهات عن الاعتداء بالضرب والاعتقال لعشرات النساء في منطقة "السبعين" وأمام بوابة "المستشفى العسكري"، ومنطقة "الثنية" حيث كان سكن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.

وسربت التقارير قصصًا حزينة لفتيات فُقدن لأيام، وبعد بحث طويل تم العثور على بعضهن، دُفعت الاتاوات مقابل الإفراج عنهن، واخريات تعرضن للابتزاز الجسدي والنفسي، وتم قتل أخريات.

وأظهرت تقارير حقوقية أن أكثر من 160 فتاة وامرأة تم اختطافهن 80% منهن في العاصمة صنعاء.

موت استكهولم

مجرد سماع تلك الأرقام من المعتقلين من الجنسين يقفز إلى الذهن سؤال بديهي، كيف يعيش هؤلاء؟ إذا كان هناك أكثر من 20 مليونا تحت خط الفقر لا أحد يأبه لحالهم.

وكانت المبادرات قد تحركت أكثر من مرة لإنقاذهم أو على الأقل جزء منهم، على اعتبار أن منهم سياسيين وإعلاميين ومغردين ومشتبه بهم لا أكثر.

تحمست العديد من الجهات مع بلوغ (كوفيد 19) ذروته في أنحاء العالم، وتم التحذير من كارثة وشيكة لكن الأمر مر دون فائدة.

ومثل كل المعارك التي تخوضها المليشيا انتصر الحوثي على قرارات المبعوث الأممي واللجان التي كانت تعمل على المراقبة، وتم قتل محمد الصليحي أحد ضباط الارتباط في مارس من العام الجاري، واكتفى المبعوث الأممي بالتنديد دون الإشارة للمليشيا.

جثة استكهولم تتبعثر

جَثت تلك الاتفاقية المشؤومة ليس على أكتاف المقاتلين وحسب وإنما على هواجس الناس، فقد اعتقد الكثير من المراقبين والمتابعين أن هناك من تعمد القضاء على المعنويات، وزعزعة الحالة النفسية لدى المواطن نفسه.

اليوم وقد استنهض الأبطال معارك التحرير من جديد في مديريات الساحل الغربي، ثمة أمل يبرق بعد عامين على استكهولم.

عامان وقبلهما 3 أعوام لم تجد المناشدات التي أطلقتها منظمات حقوق الإنسان من أجل إطلاق سراح مئات المعتقلين ولا حتى وقفات الاحتجاج من قبل مهتمين وناشطين.

"رابطة أمهات المختطفين" نظمت عشرات الوقفات، وأصدرت البيانات المنددة إلى جانب "لجنة أهالي الأسرى والمختطفين"، و"المنظمة اليمنية للأسرى والمختطفين"، لكن ذلك قوبل بالتجاهل.

وتفيد التقارير والشهادات التي أدلى بها البعض ممن تم إطلاق سراحهم، أن المعتقلين يعيشون وضعًا صحيًا معقدًا، إضافة إلى أن معظم الأماكن التي يتم احتجازهم فيها لا تملك أدنى مقومات العيش.

وسبق أن تم الإفراج عن مجموعة من المعتقلين بعضهم توفي بعد خروجه مباشرة، وآخرون إما خرجوا فاقدي الحركة أو مصابين بحالات نفسية وأمراض مزمنة.

في 3 أكتوبر/ 2018 تم إطلاق سراح اثنين من أولاد الرئيس السابق علي عبدالله صالح والإبقاء على آخرين، هم أخوة وأولاد العميد طارق صالح في صفقة لم يعرف كيف تمت.

لكن ذلك لم يكن كافيًا لترميم الحالة التي خلفها الحوثي جراء تعنته ومحاولته السيطرة على مقاليد الحكم بالصورة التي رسمها النظام الإيراني في طهران وبمساعدة ومساندة حزب الله الذي يمثل التيار الشيعي في لبنان.

فهناك من 14 إلى 18 ألف معتقل ومختطف وأسير بحسب الإحصائيات، بالإضافة إلى ما يقارب 20 ألف قتيل وأكثر من 100 ألف جريح معظمهم من الأطفال والنساء والشباب منذ بداية الحرب في 21 سبتمبر 2014.

ناهيك عن ملايين النازحين الذين تجاوز عددهم في الداخل 3 ملايين ومثلهم ربما نزحوا إلى الخارج بشكل أو بآخر.

هذا غير عمليات النزوح المستمرة بسبب المواجهات على خطوط التماس، وتضرر بعض المناطق مؤخرًا جراء الأمطار الغزيرة التي لم يستطع المواطنون مواجهتها بسبب الظروف القاهرة، وخاصة في مناطق تهامة وحجة ومأرب.

أسوأ المعتقلات

تعد "مدينة الصالح" السكنية في منطقة الحوبان غرب تعز أحد أهم وأسوأ المعتقلات التي حولتها الميليشا إلى مكان لاحتجاز آلاف الأشخاص.

هذا غير سجون صنعاء وعمران وحجة وصعدة وذمار والحديدة، وهناك سجون في رداع محافظة البيضاء يتم فيها اختطاف معظم المسافرين وجلبهم إليها.

أحد السجناء أفاد "نيوزيمن"، أن المعاملة والتعذيب التي تتم في سجن رداع لم يعرف مثلها حتى في الأفلام.

وذكر أن هناك استجوابات تتم بصورة بشعة، وهناك معتقلين من كل الفئات العمرية ومن أغلب المحافظات.

وأضاف المصدر إن كثيراً من هؤلاء يتم ترحيلهم أو بالأصح تحويلهم إلى سجون متفرقة بحسب اختيار المشرفين إلى ذمار وصنعاء وإب، بعد أن يكونوا قد قضوا فترات من شهر إلى 3 أشهر على الأقل تحت التعذيب والاستجواب.

ويؤكد المصدر أن أول عمل تقوم به المليشيا في أشهر نقاط تفتيش المسافرين واعتقالهم نقطة "أبو هاشم" هو أخذ الجوال والبدء بتفتيشه.

يقول وعبر مختص هناك يتم استعادة كل المحذوفات عن طريق برامج ذكية، من صور ومراسلات، بسبب رسالة واحدة تقول "هل استلمت الراتب أم لا؟" تم حبس أحدهم أكثر من 7 أشهر.