تشييع القاضي العمراني.. محاكمة شعبية لأحقاد الحوثي
السياسية - Wednesday 14 July 2021 الساعة 11:56 am
رغم السيطرة الأمنية والعسكرية والسياسية المطلقة التي تفرضها مليشيات الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، على مناطق سيطرتها وعلى رأسها العاصمة صنعاء، إلا أن سكان العاصمة دائماً ما يتحينون أي فرصة أو مبرر ليعبروا عن حالة الرفض لسلطة الأمر الواقع الحوثية وسياساتها وممارساتها وفسادها وانتهاكاتها التي تمارسها بحق الناس جميعاً.
وفاة العلامة العمراني كشفت معارضة صامتة للمليشيات
وفي هذا الإطار جاءت طريقة وأسلوب الناس في تعاطيهم مع حالة وفاة العلامة القاضي محمد بن اسماعيل العمراني مفتي الجمهورية السابق، وتعبيرهم في الحزن الشديد عليه ليعكس ليس فقط حجم حبهم لما يمثله القاضي العمراني من مدرسة تسامحية فحسب، بل وليقدم رسائل ظاهرة وإن كانت صامتة عن حجم السخط والرفض الشعبي داخل العاصمة صنعاء لمليشيات الحوثي وسياساتها وممارساتها وانتهاكاتها.
وجسدت ردة وتعاطي البسطاء والعامة وقادة الرأي العام في العاصمة صنعاء على وفاة مفتي الجمهورية السابق العلامة القاضي محمد بن اسماعيل العمراني حجم المعارضة الصامتة التي يخفيها الناس لمليشيات الحوثي والتي ظهر ارتباكها في تناقضاتها الكثيرة في التعامل مع موقف الناس بعد وفاة العلامة العمراني.
وفور الإعلان عن وفاة القاضي العمراني بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تشهد زخما غير مسبوق في نشر التعازي ومنشورات التعبير عن حجم الخسارة التي شعر بها الناس برحيل المفتي العمراني ومدى حبهم له ولما كان يمثله من مدرسة فقهية تميزت بالتسامح ونبذ التعصب والتطرف المذهبي.
>> العمراني كمؤسسة معرفية عابرة للزمان والمكان
الساسة والاعلاميون والناشطون والفقهاء والقضاة والنشطاء وحتى العامة من الناس عبروا عن حبهم للقاضي العمراني ولما كان يمثله ويجسده من مكانة دينية وفقهية مغايرة للواقع الذي يعيشونه اليوم في ظل حكم المليشيات الحوثية في تعازيهم ومنشوراتهم التي كان كل واحد منهم يسطر من خلالها موقفه الرافض لما يشهده واقع اليوم من تعصب مذهبي وتطرف ديني تفرضه المليشيات الحوثية من جهة وحركة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، ومحاولة كل فريق منهم فرض ايديولوجياته الدينية وتعصبه الفكري والمذهبي على الناس بالقوة.
ورغم العراقيل التي سعت مليشيات الحوثي لوضعها أمام الحضور الشعبي والجماهيري في الصلاة على جثمان الفقيد القاضي محمد العمراني وعلى جنازته ومواراة جثمانه الثرى في المقبرة، إلا أن التدفق الجماهيري والشعبي كان كبيرا بحيث لم تستطع معه المليشيات اخفاء حجم الحب الشعبي للقاضي العمراني ولفكره ولمدرسته وتسامحه الديني من جهة، ومدى تعبير الناس عن رفضهم ومعارضتهم للمليشيات وإن بأساليب صامتة تتحول إلى معارضة ظاهرة في اي موقف يتحينون من خلاله الفرصة للتعبير عن رفضهم ومعارضتهم للمليشيات كما حصل في الحضور الميداني والاعلامي مع وفاة وجنازة ودفن القاضي العمراني.
الحوثي والعمراني.. من الإقصاء إلى الحقد الخفي
والقاضي محمد بن إسماعيل العمراني الذي كان يشغل منصب مفتي الجمهورية اليمنية حينما انقلبت مليشيات الحوثي وسيطرت على السلطة في سبتمبر 2014م يعد واحدا من أبرز علماء وفقهاء اليمن ومجتهديه الذين تميزوا بانتهاج مدرسة في التسامح ونبذ التعصب المذهبي والتطرف الديني والحرص على تجسيد وسطية واعتدال الإسلام، وهو الأمر الذي لم يرق للمليشيات الحوثية التي سارعت إلى اقصائه من منصبه وتعيين مفت عام وواحد من ابرز قياداتها المتطرفة هو شمس الدين شرف الدين المعروف بمواقفه المتعصبة للمذهب الاثني عشري الذي تدين به المليشيات ويميز علاقة تبعيتها لإيران ولمفهوم ولاية الفقيه الذي تقوم عليه الثورة الخمينية وتتبعها في الايمان به بقية الاذرع والمليشيات التابعة لها التي زرعتها في دول المنطقة كما هو الحال مع الحشد الشعبي وبقية الفصائل الشيعية العراقية، وحزب الله في لبنان، والمليشيات الحوثية في اليمن.
موقف المليشيات الحوثية من وفاة العلامة العمراني ظهر متناقضا بشكل فاضح فرغم تعزية رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي للمليشيات مهدي المشاط بوفاة العمراني الا انها كانت مقتضبة ولا تتناسب مع ما كان يمثله القاضي العمراني من مكانة وموقع علمي وفقهي وديني، ولا ترقى إلى مستوى اقل تعزية يبعثها بوفاة اي شخصية من الشخصيات الفقهية الموالية للمليشيات، إلى حالة التناقض التي ظهرت واضحة في تغريدات القيادات والنشطاء التابعين للمليشيات الحوثية.
الموقف الشعبي العارم حزنا على رحيل القاضي العمراني اثار حفيظة القيادات الحوثية حيث سارع الناشط والقيادي الحوثي المدعو عبدالسلام المتوكل إلى مهاجمة موقف القاضي العمراني مما سماه عدم وضوح موقفه من العدوان، وابداء استغرابه من الحزن الكبير الذي ابداه عامة الناس على رحيله، ومحاولة مقارنة ما يمثله العمراني بزعيم ومؤسس المليشيات الصريع حسين بدر الدين الحوثي والزعم بان الاخير كان افضل من القاضي العمراني، وهو الامر الذي استفز مشاعر الناس التي سارعت إلى مهاجمته بشكل غير مسبوق الامر الذي اضطره إلى حذف منشوره بعد ما شاهد حجم الرفض العارم لمزاعمه.
ومع أن القيادي الحوثي حسين العزي حاول أن يستغل وفاة القاضي العمراني سياسيا بالزعم انه توفي بسبب عدم قدرته على السفر للعلاج في الخارج بسبب الحصار، الا ان تلك المحاولة لم تكن سوى مجرد قناع حاول به التغطية على حجم الحقد الذي اظهرته تغريدات ومنشورات النشطاء التابعين للمليشيات الحوثية الذين سخروا جل منشوراتهم لنقد القاضي العمراني بمبرر عدم اعلانه موقفا ضد العدوان، وفتواه التي دعا فيها الناس إلى التزام بيوتهم حين سئل عن الموقف الشرعي من الصراع والقتال الدائر بين المليشيات الحوثية وبقية الاطراف اليمنية واعتبارهم لتلك الفتوى بانها انحياز لمعارضي وخصوم المليشيات.
ووصف محللون لنيوزيمن موقف المليشيات الحوثية من وفاة العلامة محمد العمراني بانها لم تعكس حالة الحقد التي يكنونها له جراء رفضه الانحياز لهم دينيا ومذهبيا من ناحية، ونظير فشلهم في انتزاع موقف مؤيد لما يمارسونه من حرب وقتل ضد بقية الشعب اليمني الرافض لانقلابهم بحسب، بل كانت نتيجة لرفضهم ومعارضتهم لما يمثله من مدرسة دينية وفقهية معتدلة ومتسامحة جسدت وسطية واعتدال الاسلام لا سيما وانه محسوب على منطقة جغرافية زيدية المذهب وبدأ حياته العلمية والفقهية شيعيا هادويا قبل ان يتحول إلى عالم وسطي تميز بتسامحه ورفضه للتعصب المذهبي وحرصه على الافتاء بأفضل الاحكام والمواقف المذهبية من كل مذهب حينما يكون ذلك لصالح الناس.
ويختتم المحللون بالقول: وفي الجانب السياسي فلا شك ان قيادات المليشيات الحوثية التي فشلت في تحجيم التفاعل الشعبي بالحضور الميداني في جنازة الفقيد العمراني والتفاعل السياسي والاعلامي على وسائل الاعلام ومواقع التواصل قد اشعر المليشيات بحجم المعارضة الصامتة لهم ولممارساتهم وجرائمهم ورفض الناس لفسادهم وعنصريتهم وتطرفهم المذهبي وتبعيتهم وعمالتهم لإيران، ناهيك عن نظرة الناس للحوثيين بانهم مجرد مليشيات وعصابة تحكم بالقوة والقهر ولا يمكنها ان تكون ذات يوم سلطة تدير دولة يتساوى فيها الجميع، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح في تناقضات مواقف المليشيات من ساسة وناشطين ومغردين تجاه رحيل القاضي والعلامة العمراني.