الأنشطة العسكرية لـ"فيلق القدس" الإيراني في اليمن

السياسية - Saturday 05 February 2022 الساعة 08:08 am
صنعاء، نيوزيمن، محمد يحيى:

بينما حرصت الدبلوماسية الإيرانية على التصريح مرارًا بأن طهران ليس لها يد مباشرة في حرب اليمن، كان قادتها العسكريون يرددون بأن قوات الحوثيين ضمن ستة جيوش خارج الحدود الإيرانية ستقاتل من أجل إيران، بحسب ما صرح به القيادي في الحرس الثوري غلام رشيد.

رشيد أشار إلى أن الصريع قاسم سليماني القائد السابق لـ"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، قال للقيادة العسكرية الإيرانية المشتركة، قبل مقتله بغارة أمريكية في يناير 2020، إنه أسس ستة جيوش خارج الأراضي الإيرانية، بينها مليشيا الحوثي في اليمن.

ويتمدد نفوذ الحرس الثوري الإيراني في مجال السياسة الخارجية من خلال "فيلق القدس" الذي تأسس عام 1990 فيما عرف وقتها بمحاولات تصدير الثورة الإيرانية، وضم الفيلق تشكيلات عسكرية كلفت بالإشراف على  العمليات الخارجية للنظام الإيراني، ليصبح الذراع المسلح لإيران في الخارج، من خلال دعم المليشيات المسلحة والقيادات الموالية لطهران، وارتبط الفيلق بأحد زعمائه الأساسيين وهو قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق الذي كان له الدور الأهم لرسم خارطة العمليات العسكرية في العراق وسوريا واليمن، والذي راجت أنباء عن وجوده في اليمن بعد انطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين عام 2015.

وحسب مصادر متطابقة، فقد أشرف سليماني على إنشاء وتسليح وتدريب المليشيات المسلحة التي تتبع الحرس الثوري وتأتمر بأمره، كحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والمليشيا الشيعية في سوريا، ومليشيا الحوثي في اليمن.

ومع سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 سارع جنرالات الحرس الثوري الإيراني بإعلان البشارات تارة بإعلانهم سقوط العاصمة العربية الرابعة صنعاء تحت سيطرتهم بعد بيروت ودمشق وبغداد، وتارة بزيارات مكثفة لخبراء عسكريين تابعين للحرس الثوري الإيراني إلى صنعاء.

ويرى مراقبون أن استراتيجية الحرس الثوري الإيراني هي الوصول إلى اليمن ليكون قريبا من دول الخليج الغنية، وكان الحوثيون "الأداة اللازمة" لمثل هذه الاستراتيجية.

في ديسمبر 2019 رصدت واشنطن مكافأة مالية قدرها 15 مليون دولار، لمن يدلي بأي معلومات توصل إلى عبد الرضا شهلائي القيادي في الحرس الثوري المتواجد في اليمن.

وتعتبره واشنطن متورطا في أعمال إرهابية وفي نقل سلاح للحوثيين، وفي قضية محاولة اغتيال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، داخل مطعم بمدينة جورج تاون الأمريكية عام 2011.

ونجا شهلاني من غارة أمريكية استهدفته في اليمن، في الثالث من يناير 2020، في نفس اليوم الذي وقعت فيه الغارة التي قُتل فيها قاسم سليماني في العاصمة العراقية بغداد.

وأشارت الخارجية الأمريكية، أن الحرس الثوري الإيراني ارتكب أبشع الفظائع بحق الشعب اليمني، وأن مجرمهم الأكبر عبد الرضا شهلائي يقبع في صنعاء.

ويرى المراقبون أنّ وجود قائد من الحرس الثوري بهذا الحجم لإرساء النفوذ الإيراني في اليمن يشير إلى أهمية هذا البلد بالنسبة لإيران في المنطقة، وإلى حرصها على الإمساك بزمام الأمور هناك. 

وتحدث محللون سياسيون عن عبدالرضا شهلائي وحسن إيرلو السفير السابق لطهران لدى الحوثيين والذي توفي في ظروف غامضة في ديسمبر الماضي، أنهما يعملان في اليمن نيابة عن الحرس الثوري، ويتمتعان بعلاقات وثيقة مع سليماني، في الوقت الذي كانت هناك شكوك في أنهما نفس الشخص، لكن مصادر أمريكية نفت أن "إيرلو وعبد الرضا شهلائي ليسا الشخص نفسه".

وبإعلان ايرلو القيادي في الحرس الثوري سفيرا لطهران لدى الحوثيين في 2020، قال بيان لوزارة الخارجية الأمريكية إن "إرسال إيرلو إلى صنعاء يرسل إشارة إلى أن فيلق القدس، يعتزم زيادة دعمه للحوثيين، وبالتالي تعقيد المساعي الدولية للتوصل إلى تسوية متفاوض عليها للصراع".

وتشير تقارير دولية إلى أن إيران بدأت في زيادة مساعدة الحوثيين مع اشتداد الحرب في اليمن، عبر فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، الذي قدم أنواعا عديدة من الأسلحة والأنظمة للحوثيين.

وأوضح تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، أن فيلق القدس وحزب الله اللبناني دربا المسلحين الحوثيين، بما في ذلك تحسين تكتيكاتهم العسكرية، والمساعدة في تجميع واستخدام وصيانة الصواريخ والطائرات بدون طيار والأسلحة والأنظمة الأخرى.

ولفت التقرير إلى أن إيران زودت الحوثيين بالأسلحة والتكنولوجيا للصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، والطائرات بدون طيار وصواريخ كاتيوشا 122 ملم، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة من طراز ميساغ -2 (MANPADS)، ومادة RDX شديدة الانفجار والصواريخ الباليستية، كما طور الحوثيون نسخة معدلة من صواريخ كروز الإيرانية بمساعدة من طهران، مشيرا إلى أن إيران دربت حوثيين على استخدام الطائرات بدون طيار داخل حدودها، بما في ذلك قاعدة كاشان بالقرب من مدينة أصفهان.

وتابع: "لا يستخدم فيلق القدس الجسور الجوية والبرية لنقل الأسلحة والعتاد إلى اليمن، بل يستخدم العديد من طرق التهريب البحرية، فكثيرا ما فككت إيران أنظمة الأسلحة، ووضعتها في قوارب، ونقلتها عبر الموانئ".

واستمرت إيران في تقديم الدعم العسكري لمليشيا الحوثي الإرهابية، سواء عبر إمدادات السلاح أو التدريب والخبرات والاستشارات من خلال "فيلق القدس" أو عناصر "حزب الله". وزودت المليشيا الحوثية بالأسلحة عبر التهريب البحري من المواني الإيرانية إلى المياه الإقليمية اليمنية أو من خلال سواحل القرن الإفريقي. وضبطت الحكومة الشرعية مرات عدة سفناً إيرانية محملة بالأسلحة للمليشيا، ومنها السفينتان "جيهان 1" و"جيهان 2" اللتان كانتا تحملان صواريخ ومنصات مضادة للطائرات تحاول الدخول إلى اليمن، وعملت على نقل أسلحة إلى صعدة، وضبطت قوات التحالف العربي سفناً إيرانية في بحر العرب مرات عدة.

وفي مارس 2021 أشاد القائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قاآني، في كلمته في مجمع آيات الله الثقافي بطهران، بالعمليات الإرهابية لمليشيا الحوثي ضد السعودية.

وأقر قاآني أن قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني ونائبه محمد حجازي، أسسا معاً ما وصفها بـ"جبهات المقاومة"، في إشارة إلى الفصائل والمليشيات المسلحة التي تدعمها إيران، في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

الجدير بالذكر أنَّ قائد فيلق القدس الجديد بالحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، هو من تحدَّث عن صواريخ لدى الحوثيين يصل مداها إلى 400 كلم وأنَّ إيران ستستمر في دعمهم

وفي أبريل 2021 كشف المساعد الاقتصادي لقائد "فيلق القدس" رستم قاسمي، لأول مرة عن أنشطة مستشارين عسكريين إيرانيين في اليمن دعما للحوثيين ضد التحالف العربي.

وقال قاسمي، في حديث  لـRT، إنه يوجد في الوقت الراهن "عدد قليل من المستشارين من الحرس الثوري لا يتجاوز عددهم أصابع اليد" في اليمن، مضيفا إن الحرس الثوري قدم السلاح لمليشيا الحوثي في بداية الحرب، ودرب عناصر من قواتها على صناعة السلاح.

وأضاف قاسمي: "قدمنا استشارات عسكرية محدودة، وكل ما يمتلكه اليمنيون من أسلحة هو بفضل مساعداتنا، نحن ساعدناهم في تكنولوجيا صناعة السلاح، لكن صناعة السلاح تتم في اليمن، هم يصنعونه بأنفسهم، هذه الطائرات المسيرة والصواريخ صناعة يمنية".

وقد أدرجت دول من بينها كندا عام 2012 فيلق القدس ضمن قائمتها للمنظمات الإرهابية، وذلك بسبب ما قالت إنه تورط له في تسليح منظمات متطرفة، في وقت تفرض عليه الولايات المتحدة عقوبات شأنه شأن 12 كيانا إيرانيا آخر حيث صنفته وزارة الخزانة الأمريكية على أنه "منظمة إرهابية".

وبحسب المراقبين، فقد ظهر ارتباط جماعة الحوثي بالحرس الثوري في وقت مبكر إبان الحرب مع الجيش اليمني في معقل الجماعة في صعدة، إذ كان التدريب والخبرات العسكرية والأدبيات التي تعمل عليها الجماعة نسخة مكررة للحرس الثوري الإيراني.

ورغم أن العلاقة العسكرية بين الحرس الثوري والحوثيين قديمة إلا أنها ظلت غير ظاهرة، لكنها بدأت بالانكشاف أكثر في عام 2013 عندما كثّف الحرس الثوري الإيراني من عملية تهريب السلاح والخبراء للحوثيين.