نهب المرتبات والإيرادات وتلاعب بالمساعدات.. يمنيون يبحثون عن الطعام في أكوام النفايات

السياسية - Thursday 15 December 2022 الساعة 08:14 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

باتت مشاهدة نساء مع أطفالهم وهم يبحثون عن بقايا الطعام داخل أكوام النفايات في شوارع صنعاء ومحافظات يمنية مجاورة لها أمراً مألوفاً في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي خلفتها الميليشيا الحوثية، ذراع إيران في اليمن، وسط استمرار عملية نهب مرتبات الموظفين وفرض الجبايات والإتاوات وتضييق الخناق على الساكنين في تلك المناطق غير المحررة.


حرمان كبير تعيشه الأسر اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين، فمع انعدام فرص العمل، وتفشي رقعة الفقر، ونهب مرتبات موظفي الدولة، تعيش المليشيا الحوثية وقياداتها في رغد عيش غير مسبوق، وسط تبديد لإيرادات الدولة وتسخيرها لمصالحها الشخصي وأعمالها العسكرية.

الحرمان من المساعدات

ويؤكد العشرات من النشطاء الحقوقيين والمدنيين في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثي، أن سبب ارتفاع معدلات الأسر التي باتت تبحث عن الطعام في براميل النفايات يعود أولاً لنهب مرتبات الموظفين من قبل الحوثيين، وكذا التلاعب الكبير في صرف المساعدات الإنسانية المقدمة من برنامج الغذاء العالمي وجهات إغاثية دولية أخرى.

ويقول أحد العاملين في مجال الإغاثة في صنعاء لـ"نيوزيمن": إن فرق الرصد والتقييم عثرت على الكثير من الحالات الأسرية المستفيدة من برنامج الغذاء العالمي في صنعاء غير مستحقة، وهي حالات تم فرضها من قبل جهات مدنية موالية للحوثيين، شاركت في إعداد قوائم الكشوف الخاصة بالأسر المستحقة والمشمولة في صرف المساعدات الغذائية.

وأضاف: تلاعب حوثي كبير في صرف المساعدات وعدم وصولها لمستحقيها، وهذا تم تأكيده من خلال تقارير برنامج الغذاء العالمي، والذي أكد أن المليشيا الحوثية تسرق الطعام من أفواه الجائعين. وأشار إلى أن بعض الحالات الفقيرة والمحتاجة حرمت من المساعدات كونها ليست من الموالين للمليشيا الحوثية أو لم تدفع بأبنائها إلى جبهات القتال.

ويقول التربوي "م. العزعزي" وهو معلم عربي في إحدى مدارس أمانة العاصمة: قطعت مرتباتنا منذ سنوات، وحتى المساعدة المالية المقدمة من منظمة اليونيسيف تم نهبها والتلاعب بها، وحتى السلل الغذائية المقدمة من المنظمات الإغاثية حرمت علينا وتم إقصاء أسمائنا".

وأضاف: "كل هذه المعاناة والظروف القاسية، ستدفع الكثير من المعلمين والموظفين الحكوميين إلى الخروج للبحث عن أعمال في قطاعات خاصة لتوفير لقمة العيش لأطفالهم، وبالمقابل يتم فصلك من مهنته واستبدالك بآخرين موالين لهم".

توقعات مخيفة

لا يزال انعدام الأمن الغذائي في اليمن مرتفعاً جداً، وفق تقارير الأمم المتحدة وآخرها برنامج الغذاء العالمي الذي أكد أن نصف العائلات اليمنية لم تتمكن من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها خلال شهر أكتوبر الماضي.

مؤشرات عدة توضح ارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفقر في صفوف الشعب اليمني، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى نحو 25.5 مليون نسمة في اليمن من إجمالي السكان البالغ 30 مليون نسمة باتوا يعيشون تحت خط الفقر، وهم بحاجة ماسة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى.

تصريحات مفزعة تشير إلى أن الأشهر القادمة ستشهد ارتفاعاً في عدد الأسر التي لن تستطيع تأمين الوجبات الأساسية أو الحصول على الحد الأدنى من الغذاء. حيث تؤكد التقارير الأممية أن مستوى التدهور السنوي في الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين أعلى بكثير مما هو موجود في مناطق سيطرة الحكومة. وأن وصول الغذاء إلى اليمنيين لا يزال مقيداً، بسبب أن تكلفة السلة الغذائية القياسية لا تزال مرتفعة.

وأصدرت مجموعات إغاثية دولية تقارير تعرب عن القلق من تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على ملايين اليمنيين. إنهم يواجهون بالفعل صعوبات شديدة بسبب الحرب التي طال أمدها في البلاد (تدخل الآن عامها التاسع) ويطالبون بزيادة المساعدات الدولية التي سيتم توجيهها إلى المواطنين الأكثر حرمانًا في البلاد.

ومع ذلك، فإن الشكوك حول المساهمة المتوقعة من هذه المنظمات في مواجهة التحديات الجديدة تزداد بسبب ضعف أدائها نسبيًا خلال الفترة السابقة فيما يتعلق بحجم التمويل الذي تلقته. 

سياسة تجويع حوثية

ولعبت مليشيا الحوثي دورًا سلبيًا في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية،  بعد تكديسها لأكبر قدر ممكن من الأموال العامة، بغض النظر عن الخسائر التي تلحق بحياة الناس في المناطق التي تسيطر عليها. حيث كانت الجماعة تأخذ الأموال بشكل صارخ من تدفقات الإيرادات العامة دون إعادتها إلى الناس، بما في ذلك رواتب الموظفين العموميين.

ويؤكد مركز الإمارات للدراسات، في تقرير له، أن الرسوم غير القانونية التي تفرضها مليشيا الحوثي والضرائب والرسوم الباهظة المفروضة على التجار والمستوردين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها تساهم في تفاقم هذه التداعيات على السكان المحليين الخاضعين لسيطرتها.

وأكد المركز أن الارتفاع الأخير في التضخم العالمي جعل التوقعات الاقتصادية لليمن أكثر كآبة. ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد مع زيادة معدل التضخم السنوي إلى 45 في المائة هذا العام، وارتفاع معدل تضخم أسعار المواد الغذائية، على وجه الخصوص، إلى مستوى أعلى بكثير يبلغ 58 في المائة.

وبحسب التقرير من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى 23.4 مليون بحلول نهاية العام. كما من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 19 مليون.

ونتيجة لذلك، يبدو من غير المرجح أن تقدم جماعة الحوثي مبادرات بناءة لمعالجة الآثار السلبية للتحديات الاقتصادية العالمية الجديدة على المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها. كما أنه من غير المحتمل أن تتبع الإجراءات والتدابير لتخفيف معاناتهم طالما أن هذه الإجراءات المطلوبة لا تتفق مع مصالحها وقدرتها على توليد دخل مالي أعلى.

تبديد الأموال ونهب الإيرادات

عبث ذراع إيران المتكرر بالمال العام وسياسات القمع والنهب والسلب المنظمة التي تنتهجها يعد من العوامل الرئيسية التي أجبرت السكان الفقراء بمناطق سيطرتها على العيش بظروف صعبة لا يمكن توقعها وتحملها، رغم ما تجنيه الميليشيات من إيرادات حكومية خصوصا من ميناء الحديدة التي تصل إلى مليارات الريالات.

وبحسب تقارير اقتصادية وإحصائيات رسمية، كشفت أن مليشيا الحوثي تجني سنوياً أكثر من 600 مليار ريال يمني (ما يعادل مليار دولار أميركي)، وهي إيرادات ضخمة من عائدات الجمارك والضرائب، ناهيك عن مئات الملايين التي تجنيها من القطاعات الإيرادية في مقدمتها الاتصالات مليار ريال، والواجبات الزكوية التي تجني منهما أموالاً ضخمة.

وخلال فترة الهدنة الأممية الأخيرة التي استمرت 6 أشهر، وحتى منتصف شهر نوفمبر، تحصلت المليشيات الحوثية على إيرادات ضخمة من ميناء الحديدة وصلت إلى نحو  400 مليار ريال يمني، إلا أن هذه الإيرادات تذهب لصالح قيادات حوثية عليا، أو لتسليح الميليشيات ودعم عملياتهم العسكرية.

كل تلك الإيرادات والأرقام الكبيرة من الأموال المنهوبة من قبل الحوثيين منذ سنوات، إلا أن الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتهم محرومون من مرتباتهم على مدى سنوات. في الوقت الذي تقوم المليشيا بإحياء الحفلات والفعاليات التابعة لها وتبدد مليارات الريالات لتحقيق أجندتها الطائفية والعسكرية، بينها إقامة حفلات الزواج الأخيرة التي صرفت عليها مبالغ وصلت لأكثر من 6 مليارات ريال، وبهدف استقطاب مزيد من المقاتلين الجدد وإرسالهم إلى جبهات القتال.