الفول والكبان والمهاد.. مطعم البنا ونصف قرن من حكايا قديم العمر في زبيد

المخا تهامة - Friday 23 December 2022 الساعة 08:14 am
نيوزيمن، ماجد عبدالله ورو:

عبدالله بنا يمتهن حرفة طباخة الفول في سوق زبيد القديم، بدأت شهرته منذ ريعان شبابه ومزاولته مهنة الطباخة في سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم.. 

ما يزال فول (البنا) يحمل اصالة نكهته، وتميز طعمه وجودة طباخته.

فقد ارتبط فول البنا بذكريات الطفولة لجيل الثمانينات، أتذكر حين كنا اطفالا ندرس في الصفوف الابتدائية، في مدرسة الثورة كان البعض منا يقضي وقت الراحة أو أثناء الهروب من بعض الحصص فنذهب إلى مطعم البنا.

حيث كان موقعه في ذلك الوقت غرب مسجد الأشاعر حينها كان المكان يستهوي اقدام الناس عقولهم واذواقهم يأتون إلى سوق المدينة زرافات ووحدانا من كل مكان، الصغار الكبار النساء الرجال يقضون حاجياتهم اليومية من داخل سوق المدينة القديم الذي استمر في اداء وظيفته كـ سوق اساسي للمدينة يلبي متطلبات وحاجيات الناس في المنطقة القريبة المجاورة لها.

قبل أن ينطفئ عام 1985 بعد قيام الدولة بفتح سوق جديد خارج المدينة، والزام الباعة الانتقال إليه مما ادى إلى هجر السوق القديم الذي كان يزدحم بالباعة والمشترين منذ الصباح حتى وقت متأخر من الليل، لا تكاد تمر لتصل إلى مطعم البنا، أو إلى اي مكان ما تقصده في السوق القديم.

قبل ستينيات القرن العشرين كان من اهم الاسواق العامرة المتحضرة في منطقة تهامة كلها، تمشي نحوه بصعوبة وانت تدافع الناس حولك لتمر من كثرة الزحام وحركة الناس التي تبلغ ذروتها في ذلك المكان منذ الصباح الباكر هناك.

بالجوار تقع المطابخ الشعبية القديمة، المقاهي في كل زاوية وحيث ما ذهبت كانت المقاهي تؤدي وظائف متعددة إذ لم يقتصر دورها على تقديم الشاي أو القهوة أو البن او الراحة الجسدية فقط بل كانت ملتقيات وتجمعات ثقافية وادبية وعلمية مكان عام مفتوح لإبداعات الفنون، والمناظرات الشعرية والمناقشات الفكرية الثقافية والإبداعية. 

كان (المقوات) القديم امام مسجد الأشاعر مباشرة امامه سوق الفل والمشاقر ومطباخة "الجلعوم" العتيقة وبجوارها مقهى "داود عفري" الاكثر شهرة في سوق المدينة يمتاز بتقديم افضل الشاي والبن والقهوة، كانت روائح القرنفل والهيل والقرفة والزنجبيل. لا شيء.. لا شيء يُضاهي لذة طعم ونكهة المكان إلا صاحبها، "عليه السلام" داود عفري الرجل الأنيق العملاق طويل العنق وديع القلب والروح رهيف شفيف كـ حمامة يضم تحت جناحيه المكان بمن فيه.

وعلى غربه كانت تقع مطباخة شرعان وسوق بيع الحلبة ومخبازة احمد عقاب وفي المكان نفسه تقع "المجزرة" وهي المكان المخصص، لبيع، اللحوم حيث يجتمع كل الجزارين والدقاقين تجمعهم المهنة تحت سقف واحد في نفس المكان الواسع المخصص.

كانت المجزرة الركن الجنوبي للسوق تطل على موقع سوق بيع وشراء الأغنام الماعز الكباش والعجول وبجانب سوق اللحم ملاصقاً يقع سوق السمك الذي كان يحتل هو الآخر موقعا مرموقا ومكانا اكثر تحضرا من ناحية النظافة والترتيب والعرض وتصريف المخلفات والسوائل التي تصل إلى خارج سوق بيع السمك.

وكان هناك عاقل (للسمك) وعاقل (للمقوات) وعاقل (للحم) وعاقل للفل ولكل مهنة وحرفة عاقل للسوق عاقل عام يتخصص كل منهم بفض النزاعات، وحل المشكلات اليومية داخل السوق. اما العاقل الاساسي، فهو كبير العقال وهو من يقوم بحراسة الأسواق "الدكاكين" ليلاً ومعه مجموعة من المساعدين ويسمى في بعض الأسواق اليمنية بـ(شيخ الليل).

كان (العاقل محمد علي الأهدل) آخر كبار العقال المعمرين عمود السوق وحارسه الأمين.  

عودة إلى الطباخ عبدالله بنا الذي يصل عمره الآن إلى الخامسة والسبعين عاما حسب ما افادني بذلك، انه بدأ حياته عاملا في مطباخة المرحوم إسماعيل بنجوح واخيه عوض بنجوح.

حينها كان ما يزال في مقتبل العمر.. ثم بعد ذلك فكر بالاستقرار فاستأجر دكانين متلاصقين مع بعض قريبا من مطباخة عمه البنجوح الذي كان يعمل لديه هو واخوه عوض بنا الذي واصل دراسته وتخرج من جامعة الحديدة وحصل على وظيفة مدرس مادة الرياضيات.

لكن العم عبدالله كان الأكبر عمرا اختار تخصصا آخر غير ما كان يعمله في مطباخة البنجوح فقد انحصر في مزاولة مهنته كطباخ على الفول والعمل في تقديم وجبة الصبوح يوميا على مدى العام دون انقطاع، وهو بنفسه من يباشر تلبية، طلبات الزبائن حتى لحظة كتابة هذه السطور وفي الموقع الذي انتقل إليه منذ بداية التسعينيات في الجهة الغربية من السوق سكة البز. سوق الجامع كانت تعرف بـ (سكة البز.. الأقمشة).

ليزاول مهنته وتخصصه في طباخة الفول مع إضافة طباخة "الكبان" وبيع الهريسة والمُهاد وهو منذ بداية سنوات عمله يجيد طباخة الفول بحبوب "اللوبيا الدجرة" المزروعة محليا.

بينما كانت تتخصص مطباخة البنجوح في تقديم وجبات الغداء باشكال واصناف وطبخات متعددة منها السوسي ومقالي السمك وبرم اللحم والحنيد والأرز وبرم "الفرانيج"... الخ.

تفاصيل كثيرة عن الأكلات الشعبية سيأتي الحديث عنها وعن الوجبات الأساسية التي كانت تقدمها مطباخة "البنجوح". 

سأتناول ذلك في سياق بحثي حول تطور وازدهار الحركة التجارية والصناعية والحرفية وعن المطابخ الشعبية وغيرها من المواضيع المرتبطة ذات الصلة.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك