عبث وحفر عشوائي.. مافيا حوثية تتفنن في نهب آثار اليمن
السياسية - Monday 13 February 2023 الساعة 07:24 amصحت مديرية رصد في محافظة أبين، جنوبي اليمن، مطلع فبراير/ شباط الجاري، على وقع أعمال حفريات مجهولة داخل قصور ومبانٍ في قلعة القارة التاريخية، حادثة هي الأول من نوعها التي يشهدها الموقع الأثري وسط استنكار شعبي.
لم تدم أعمال التخريب في القلعة كثيراً، حيث تحركات الأجهزة الأمنية في المديرية قامت بالقبض على العصابة التي قامت بالتخريب والعبث بالموقع التاريخي، وإحالة المتورطين في الحادثة للجهات المختصة.
حادثة أثارت سخط الأهالي الذين أعلنوا رفضهم للعبث وتخريب القلعة التاريخية والسياحية من أجل البحث عن كنوز وآثار قديمة بهدف بيعها لتجار التهريب مقابل مبالغ مالية بالعملة الصعبة.
قالت المصادر الأمنية لـ"نيوزيمن": إن التحقيقات الأولية مع من تم ضبطهم يقومون بعمليات الحفر والبحث عن الآثار أو تهريبها، أكدت ارتباطهم بخلايا منظمة تعمل في مجال تهريب الآثار ولها ارتباطات وثيقة بقيادات حوثية بالخارج، مشيرين إلى الكثير من القطع التي يتم نهبها من مواقع أثرية.
آثار ظفار.. نهب بشكل علني
ما جرى في رصد يافع ليس بعيداً عما يجري في مناطق أثرية وتاريخية بمناطق سيطرة الحوثي، حيث تزامنت عمليات النبش والنهب في القلعة التاريخية في رصد مع أعمال أخرى تشهدها مواقع في مدينة ظفار بمحافظة إب الخاضعة لسيطرة مليشيات ذراع إيران.
مدينة ظفار يريم، تعد إحدى المناطق التاريخية في اليمن، وتحوي الكثير من المواقع الأثرية والكنوز التي تحكي عصوراً قديمة من بينها الدولة الحميرية، التي كانت ظفار عاصمتها بين عامي 115 قبل الميلاد و527 بعد الميلاد.
كثافة المواقع التاريخية في ظفار وتواجد متحفها الزاخر بالقطع النادرة جعلها مطمعاً للكثير من عصابات التهريب المرتبطة بقيادات حوثية التي تستغل نفوذها من أجل الاستيلاء على الآثار وتهريبها للخارج.
أواخر يناير الماضي، تعرضت بعض تلك المواقع لعمليات نهب وحفر عشوائي وتهريب بهدف البحث والحصول على قطع أثرية جديدة يمكن بيعها لمافيا الآثار بالعملة الصعبة. عمليات النهب والتهريب أصبحت اليوم علنية وفي وضح النهار وبحماية المسلحين الذين يتمركزون في تلك المواقع لعدة أيام.
الباحث في مجال الآثار عبدالله محسن، نشر مؤخراً عبر صفحته في فيسبوك معلومات حول ما تتعرض له مواقع أثرية في ظفار من عمليات نبش وحفر عشوائي واسع النطاق. وقال إن أعمال النهب تلك نتج عنها استخراج عدد من الآثار كتمثال برونزي يزن (684) جرامًا بطول يزيد عن 20 سم وعرض (6.5) سم.
وأشار إلى أنه سيتم عرض تمثال برونزي أثري من ظفار التاريخية بمحافظة إب، بالإضافة إلى وجه أسد، لافتًا إلى أنهما يعرضان للبيع في مدينة صنعاء.
ما يجري من عمليات نهب منظمة في مدينة ظفار التاريخية دفع مسؤولين في مكتب الآثار بمحافظة إب، إلى الخروج بتصريحات تؤكد تورط مسؤولين أمنيين عينتهم مليشيات الحوثي في المدينة بالوقف وراء عمليات تهريب الآثار وتسهيل خروجها.
وأشار المسؤولون إلى أن الهيئة العامة للآثار وبمساعدة مواطنين تمكنت من رصد عمليات حفر وتنقيب وسرقة آثار قيّمة من داخل موقع العصيبية ومواقع أخرى في ظفار، حيث تقوم الهيئة بإبلاغ مسؤولي الشرطة في المديريات والأقسام بضرورة التحرك، إلا أن المسؤولين الأمنيين الحوثيين يقصرون في ذلك ويتجاهلون البلاغات.
نهب حوثي منظم
خلال السنوات الماضية، تعرضت الكثير من المواقع الأثرية والتاريخية الواقعة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية لعمليات نهب وحفر عشوائي أفضت إلى تهريب الكثير من القطع الأثرية النادرة التي تعود لعصور يمنية قديمة.
ما تعرضت له الآثار اليمنية من نهب منظم بعد انقلاب الحوثيين، دق ناقوس الخطر ودفع بالجهات الحقوقية والحكومية إلى إطلاق مناشدات للجهات الدولية والأممية بسرعة التحرك لإيقاف هذا العبث وحماية الآثار من عمليات النهب والتهريب المنظمة.
انتباه العالم والتفات المنظمات الدولية المعنية بالآثار لما تقوم به الميليشيات الحوثية من عبث ونهب منظم للمواقع الأثرية في مناطق سيطرتها دفع مافيا تهريب الآثار إلى تشكيل خلايا مصغرة والاتجاه صوب المناطق النائية الريفية التي تحوي مواقع تاريخيه هامة، ولا تزال بكراً ولم يتم فيها التنقيب بشكل كبير. هذا التحرك الجديد برز بشكل كبير من خلال عمليات البحث والتنقيب في قرى ذمار وإب وأبين وتعز. كون تلك المواقع بعيدة عن أنظار الجهات الحكومية والحقوقية التي ترصد وتراقب كل التحركات داخل المواقع التاريخية الرئيسية والمعروفة في البلد.
مطلع يناير تم توثيق عمليات حفر وعبث في موقع أثري بقرية الحقيل الواقعة في منطقة شمير التابعة لمديرية مقبنة غرب محافظة تعز، حيث أدى تواطؤ الانقلابيين الحوثيين واتساع رقعة الفقر في مناطق سيطرتهم إلى شيوع عمليات العبث بالمواقع الأثرية، والاتجار بها حيث طالت العملية وفق باحثين أكثر من 62 مديرية في مختلف المناطق اليمنية.
وبحسب بيانات صادرة عن الهيئة العامة للآثار، فقد تعرضت عدد من المقابر والمواقع الأثرية للعبث في منطقة شعب القضب – حجاج مديرية جبن بمحافظة الضالع، وموقع مصنعة حلة بني قرين – شهاب أعلى – في مديرية بني مطر غرب صنعاء، وهو عبارة عن هضبة مرتفعة تحيط بها المقابر القديمة. كما تم توثيق عبث بالمقابر في منطقة بني الحرسي بمديرية ثلاء في محافظة عمران شمال صنعاء.
سكان المناطق الريفية التي طالها العبث والتنقيب كشفوا عن عناصر مجهولة مرتبطة بمسؤولين محليين وقيادات نافذة مع الحوثيين تقوم بزيارة مناطقهم والالتقاء بالشباب وتدفعهم نحو عمليات حفر عشوائية بهدف استخراج الكنوز والقطع النادرة، وإعطائهم وعوداً بمبالغ مالية ضخمة في حال استطاعوا استخراج أية قطع من تحت الأرض.
آثار اليمن في المزادات العالمية
منذ اندلاع الحرب العبثية التي تقودها ميليشيات الحوثي- ذراع إيران في اليمن، ظلت مزادات العالم تقيم عروضاً لبيع قطع أثرية وتحف يمنية قديمة نادرة، وسط أنظار الحكومة اليمنية التي ظلت تتفرج على آثار وتاريخ البلد تضيع أمام أعينها.
مطلع نوفمبر كشف الخبير اليمني في الآثار، عبد الله محسن، عن وجود ثلاثة من أهم المجموعات الأثرية اليمنية في أوروبا، بأحد المعارض النمساوية.
وقال محسن، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، إن "ثلاثة من أهم المجموعات الأثرية اليمنية في أوروبا، وهي: فأر وحصان وبروتومات (ثور)، معروضة في متحف نمساوي"، موضحاً أن "تمثال الفأر يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، ويعتبر من مجموعة جلاسر عام 1894م". و"تمثال الحصان من القرن الأول قبل الميلاد، وهو أيضاً من مجموعة جلاسر عام 1894م".
وذكر أن "تمثال بروتومات ثور، (البروتومات: عمل فني تشكيلي يمثل الجزء الأمامي من حيوان أو إنسان وعادة ما يكون مرتبطًا بشيء آخر)، يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، كان المتحف قد حصل عليه من متبرع عام 2008م".
وكان الخبير محسن قد كشف، خلال الأشهر والأسابيع الماضية، عن أغلى 10 قطع من آثار اليمن قد تم بيعها في المزادات العالمية، وأكد أن أكثر من 15 ألف قطعة منهوبة في الداخل قد تجد طريقها إلى الخارج، كما كشف عن عرض لبيع 40 قطعة ذهبية وبرونزية من آثار اليمن، في مزاد علني في العاصمة البريطانية نهاية نوفمبر الماضي.
تحرك حكومي بطيئ
مؤخراً أطلقت الحكومة اليمنية دعوة إلى المجتمع الدولي، إلى التعاون معها لحماية آثارها المنهوبة وتسهيل إعادة المنهوب منها إلى البلاد.
جاء ذلك على لسان مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله السعدي، خلال لقائه المندوبة الدائمة للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة باربارا وودوارد، بحثا خلاله التطورات السياسية والأوضاع الإنسانية في اليمن، حسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).
وأشار السفير السعدي، إلى المخاطر التي تواجه الموروث والممتلكات الثقافية اليمنية بسبب الصراع الجاري والتي تعرضت للتدمير والنهب والتهريب على نحو ممنهج ولم تلق اهتماماً من قبل المجتمع الدولي.
وشدد على ضرورة اتخاذ مجلس الأمن إجراءات فعالة وعملية لحماية هذا الموروث الثقافي، واتخاذ الخطوات المناسبة لتسهيل العودة الآمنة للآثار اليمنية والممتلكات الثقافية المنهوبة إلى المؤسسات اليمنية المختصة.
من جانبها، أكدت السفيرة وودوارد، حرص بلادها على حماية الموروث الثقافي والممتلكات الأثرية لا سيما في الدول التي تعاني من الصراع، مؤكدة أن بلادها لن تدخر جهداً في العمل مع باقي أعضاء المجلس للدفع نحو الحل الشامل والمستدام للأزمة اليمنية.
وخلال سنوات الحرب المستمرة في البلاد، شهدت الآثار اليمنية عملية نهب ممنهجة وتهريبها إلى الخارج وسط اتهامات لعصابات حوثية بالتورط في تلك العمليات.