حكايات حزينة من كتاب النازحين في عدن

حكايات حزينة من كتاب النازحين في عدن

السياسية - Friday 19 June 2015 الساعة 01:08 pm

آ الخليج الأمارتيةـ عدن شكري حسين: في ركن صغير بمدرسة آ«أبو حربةآ» للنازحين بمدينة إنماء السكنية بمحافظة عدن جلست خديجة صالح فتيني مع حفيدتها سارة، البالغة من العمر 3 أعوام تكابد مرارة العيش وقسوة الحياة بعد أن دفعتها الحرب الطاحنة في المدينة من ترك منزلها والخروج منه بعد سنوات طوال دافئة بداخله. شعرت وأنا أدلف باب غرفتها المحشوة بعدد كبير من مقاعد الدارسة أن الدنيا اسودت في عينيها يوم وجدت نفسها آ«طريدةآ» خارج ديارها تلتحف العناء وترتشف الشقاء وأكثر من ذلك آ«ملزمةآ» برعاية أولاد ابنتها آ«امتيازآ» 27 عاماً، والتي قضت نحبها في رحلة النزوح المشؤومة من منزلها في مدينة التواهي قبل حوالي شهر ونصف. تقول خديجة أو آ«أم امتيازآ»، كما يحلو لها أن يتم مناداتها: آ«لملمت أغراضي وأغراض ابنتي وأطفالها الثلاثة على عجل عندما بدأ القصف يصل إلى منزلنا في التواهي، ووسط الهلع والخوف اتجهنا إلى المنفذ الوحيد آ«رصيف الميناءآ»، هناك كان الزحام على أشده، نساء وأطفال وشيوخ، شقيت طريقي مع ابنتي وأطفالها وسط الزحام حتى وصلنا إلى مقدمة الرصيف. هنا التقطت أم امتياز أنفاسها وهي تتذكر ما حصل أمامها ثم واصلت: آ«سقطت قذيفة هاون وسط البحر بالقرب من الرصيف، تملكتنا حالة هلع وفزع شديد، ترددنا بالرجوع للخلف، لم يكن هناك وقت للتفكير لأن قذيفة أخرى سقطت مباشرة علينا، حينها تعالت صرخات الأطفال والنساء، كان المشهد مأساوياً، بدأ البعض بالهرب يجرون خلفهم جراحهم وآلامهم، أجسام الناس ودماؤهم مزجت مع بعضها بعضاً، العائلة التي كانت بالقرب مني جميعهم سقطوا في البحر وماتوا غرقاً، بحثت عن ابنتي امتياز كان جسمها كله مقطعاً وفيها نبض للحياةآ». أصابتها نوبة بكاء شديدة وهي ترى ابنتها مضرجة بدمها، بعد مرور دقائق كفكفت دموعها ،وقالت: آ«بعدها جاء ابني سحبني وسحب ابنتي، لكن ابنتي ماتت، ماتت امتياز لتلحق بزوجها المتوفي منذ وقت سابق، وتركتني مع أطفالها الثلاثة، لا عائل لنا ولا مسؤولآ»، أجهشت بالبكاء مجدداً، ودعتها وأن أتمتم لكم الله ياخالة خديجة، لكم الله. بالقرب من أم امتياز وجدت شاباً في الثلاثين من عمره يكني نفسه بأبي عائشة، بدا لي فرحاً على غير ماهو مألوف في المكان، اقتربت منه وحين سألته عن سروره والناس في هم وحزن شديدين، فقال: الحمد لله على كل حال، ثم أردف: آ«نزحت من المعلا منذ شهر و10 أيام تقريباً وتحديداً يوم دخل الحوثيون لحارتنا والقذائف تنهال علينا من كل مكانآ» قررت الخروج من منزلي أنا وزوجتي الحامل في شهرها الثامن وعيالي، لم نأخذ أي أغراض معنا. كان الجوع والخوف يرافقنا، كنت خائفاً على زوجتي الحامل، استأجرنا سيارة وتحركنا لا نعلم إلى أين، طوال الطريق كنا خائفين وكان الأطفال يبكون ويرتعدون من صوت القذائف من حولنا، ساعات طوال حتى استقر الحال بنا في هذه المدرسة، وفي هذا المكان رزقني الله بنتاً أسميتها عائشة، أحسست بمقدمها أن الله عوضنا عذابات الخروج من منزلنا والعيش في هذا المكان الموحش. من جهته يروي نجيب المحبوبي أحد سكان مدينة المعلا، مأساة أسرة ظلت في منزلها ليومين متتاليين من دون غذاء ولا ماء ولا كهربا وقد تقطعت بها كل سبل الحياة. بعد خروجنا من المدينة، تذكرت برفقة بعض الشباب آ«أسرةآ» لا عائل لها بقيت وحدها في منزلها وهم آ«امرأة مصابة بمرض الشلل ومعها ابنتان تعانيان مرضاً نفسياً وطفلاً صغيراً مصاباً بما يسمى مرض آ«المنغوليينآ»، في الوقت الذي غادر فيه جميع السكان منازلهم بعد أن مارس الغزاة جرائمهم، لكن في الوقت نفسه كان لا أحد يستطيع دخول حي حافون أحد أشهر أحياء المدينة بسبب تمركز القناصة في أعلى العمارات، بعد تفكير عميق قررنا نحن 4 من الشباب الدخول إلى المكان عبر طرق ملتوية نعرفها جيداً والخوف يملأ قلوبنا خشية أن يصطادنا الحوثيون بقناصاتهم، وبعد مشقة وخوف شديد وصلنا إلى المنزل طرقنا الباب ولم يفتح لنا، طرقنا مراراً من دون فائدة، قررنا كسر الباب خصوصاً بعد أن سمعنا صوت فتاة ترفض فتح الباب لنا، نجحنا أخيراً في كسره وجدنا المرأة المشلولة وبناتها وطفلها في حالة أقل ما يقال عنها إنها مزريةآ» .يقول المحبوبي: استقبلتنا الأم بدموعها بعد أن استعصى عليها الكلام، أحسسنا من نظراتها لنا وكأننا ملائكة نزلنا عليها من السماء، خصوصاً والبنتان لا يدركان ما هم فيه من محنة والحال نفسه بالنسبة للطفل الذي كان يرمقنا بنظرات خوف شديدة، لم نجد في الغرفة شيئاً من الطعام أو الماء. يتوقف برهة ثم يقول: آ« شعرت وأنا أدلف باب المنزل أن آ«مستعمراتآ» الحزن كلها اجتاحت تلك البقعة المغلقة من كل شيء إلا من رحمة المولى جل جلاله، حرصنا على نقل الأسرة في أسرع وقت ممكن خشية أن يكتشف أمرنا، أخذنا الأم أولاً ووضعناها في السيارة، لتلحقها البنتان طواعية، ثم حملنا الطفل وتحركنا والخوف يملأ قلوبنا، والحمد لله تمكنا من إنقاذ الأسرة وكانت سعادتنا بذلك كبيرة جداً رغم ما ألم بنا من خوف وهلع ونحن ندخل المدينة ونغادرها.