قلق عارم وعُزلة مجتمعية بعد صالح.. هواجس السقوط تُطارد مليشيا الحوثي

السياسية - Wednesday 10 October 2018 الساعة 06:01 pm
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

قلق عارم وهستيريا غير مسبوقة تغشى مليشيا الحوثي الكهنوتية داخل العاصمة صنعاء وضواحيها منذ أواخر سبتمبر الماضي، تتزايد مضاهرها من يوم لآخر في انتشار أمني كثيف هنا، واستحداث نقاط تفتيش جديدة هناك، وإنشاء مخيمات مسلحة على مقربة من مداخل العاصمة صنعاء، وتنفيذ حملات تفتيش واعتقالات واسعة هنا وهناك، وتنظيم عروض مسلحة لمليشياتها داخل ساحات الجامعات والأحياء السكنية والتجارية.

ارتياب وقلق عام

وفيما عُدّ مؤشراً على ارتفاع منسوب حالة القلق والارتياب لدى سلطة المليشيا من احتمال حدوث مقاومة مفتوحة، وواسعة النطاق ضد الجماعة، يبدو إخفاقها وفشلها في إدارة الملف الاقتصادي ومضاعفتها للجرع السعرية المتتالية لمواد المشتقات النفطية، والتي أوصلت سعر جالون البنزين سعة 20 لتراً إلى 11500 ريال غير متوفرة، وأكثر من (16) ألف ريال في السوق السوداء، يضع الجماعة في مواجهة مفتوحة مع القاعدة الشعبية القاطنة في مناطق سيطرة الجماعة، ويجعلها حبيسة لهاجس السقوط بتجرع كأس الاحتجاجات التي رفعتها شعارات براقة عام 2014م لتستولي على السلطة حينها، ما يعني اليوم فقدانها تدريجياً لعنصر التعاطف بفعل العمليات العسكرية وغارات طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن منذ مارس 2015م.

سياجات دفاعية على أبواب صنعاء

وعلى وقع ضربات قوات المقاومة الوطنية المشتركة في جبهات الساحل، والتي كبدت مليشيا الحوثي خسائر فادحة، وفرض قوات المقاومة الوطنية حصاراً جزئياً على مواقع المليشيا في بعض مديريات محافظة الحديدة، تسارع مليشيا الحوثي في صنعاء لاستحداث وإنشاء مخيمات دفاعية لعناصرها على مداخل العاصمة صنعاء، وحسب مصادر محلية متطابقة تحدثت لـ"نيوزيمن"، فقد شوهدت مليشيا الحوثي تقوم بعمليات إنشاء سياجات ومتارس دفاعية على عدد من شوارع العاصمة صنعاء، وتسوير أراضٍ مفتوحة وتجهيزها كمخيمات ومواقع ثابتة لعناصرها على مداخل صنعاء.

وفي تعليقه على هذه التطورات يرى الناشط السياسي والإعلامي علي البخيتي، بوجود حاجز كبير بات يفصل بين الشعب ومليشيا الحوثي "حاجز لا يمكنهم القفز عليه".. ويعتقد القيادي السابق في الجماعة على البخيتي، أن الحوثيين باتوا غرباء داخل المجتمع، "مجالسهم خاصة ومساجدهم وأمنهم وكل شيء طائفي وبعيد عن الوطنية والروح اليمنية والمؤسسات الرسمية"، ويشبه إدارة مليشيا الحوثي للسلطة بمثابة "عصابة معزولة تحكم الناس بالحديد والنار والإرهاب والإتاوات وقمع الحريات والاعتداء على الحرمات".

تآكل الدعم الشعبي بعد مقتل صالح

وفي تقرير حديث له، يؤكد مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن الحوثيين بمقتل حليفهم صالح في ديسمبر 2017م، "فقدوا حليفاً سياسياً مؤثراً حظي بتأييد شعبي كبير"، مشيراً كذلك إلى فقدان الحوثيين بهذه الواقعة "دعامة مركزية في شرعيتهم أمام الشعب، حيث لم يعد لديهم أي فاعل سياسي رئيسي آخر يدعم سلطتهم في المناطق التي يسيطرون عليها، وأصبح استخدام القمع بالقوة مصدر النفوذ الرئيسي للحوثيين في هذه المناطق". ويضيف التقرير "ويشمل هذا الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والتعدي على الممتلكات الخاصة، إضافة إلى فرض ضرائب إضافية على المواطنين والسلع التجارية والمشاريع الصغيرة والكبيرة"، وبشكل عام يؤكد التقرير "عندما يكون الإكراه هو أسلوب الحكم الأساسي لنظام ما، فالدعم الشعبي وشرعيته العامة تتآكلان".

...وقطع مرتبات موظفي الدولة

ويرى تقرير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن تحالف "الحوثي- صالح" وتشكيل حكومة الإنقاذ في عام 2016م، ساعد هذا الحوثيين على تأمين قاعدة سياسية، حيث كان يحظى المؤتمر الشعبي العام بدعم صلب في المناطق التي سيطرت عليها قوات الحوثي حديثاً، وبالنسبة للمؤتمر الشعبي العام، فقد أتاح هذا التحالف فرصة للانضمام إلى المشهد السياسي وإعلان موقفه الرسمي ضد حكومة هادي والتحالف بقيادة السعودية، وحسب التقرير المعنون بـ"ضرورة بناء الشرعية في اليمن"، فقد شكّل هذا التحالف تهديداً وجودياً لشرعية هادي، والتي تفاقمت بسبب عوامل رئيسية: منها اكتساب الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام معاً دعماً شعبياً لكونهم "أقرب إلى الناس" داخل أراضيهم، سيما مع هجمات التحالف التي لا هوادة فيها ضد المدنيين، كما أن هادي بمقره في الرياض خلال ثلاث سنوات من الحرب كان يحظى بدعم شعبي أقل وقاعدة شعبية صغيرة داخل المناطق المحررة في الجنوب اليمني، لكن التقرير استدرك قائلاً: "وعندما بدأت السلطات في مناطق الحوثي – صالح بعدم دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية بعد أغسطس / آب 2016، بدأ الدعم الشعبي لهم في الانحسار".

استيلاء على أموال عامة

وحسب التقرير، حصل "نيوزيمن" على نسخة منه، فمنذ توليهم للسلطة في شمال اليمن، قام الحوثيون بتشكيل ما يعرف بـ"المشرفين" و"اللجان الثورية" في المؤسسات الحكومية، مشيرا إلى أن سلطة أفراد هذه اللجان تتجاوز سلطة أي أفراد آخرين داخل هذه المؤسسات، ولفت في الآونة الأخيرة، إلى إنشاء سلطات الحوثي أيضاً (الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية)، التي قال التقرير إنها حلت محل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، موضحا "كان ذلك جزئياً بسبب ممارسات الحوثيين المتمثلة في الاستيلاء على الأموال العامة بغرض دعم جهودهم الحربية، فضلاً عن التأزم الكبير التي تشهدها الخدمات العامة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم".

... وتأزيم تام للخدمات العامة

ويخلص التقرير إلى أن شرعية أية سلطة حاكمة ترتبط بشكل مباشر وبغض النظر عن الطريقة التي وصلت بها لموقع المسؤولية، بمستوى الخدمات العامة التي تكفلها وتوفرها هذه السلطة لمواطني الدولة، وقدرتها على ترسيخ الاستقرار وتعزيز الأمن وفرض سيادة القانون في البلد، منوهاً إلى أن الصراع المستمر في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات أدى إلى تراجع مستويات الخدمات العامة والاستقرار والأمن وفرض سيادة القانون بشكل كبير، الأمر الذي يضع شرعية السلطة القائمة في مأزق حقيقي، "فتراجع مستويات الخدمات العامة والأمن والاستقرار، المفترض أن تكون مسؤولية السلطة وفقاً للعقد الاجتماعي بينها وبين الشعب صاحب المصلحة، يؤدي إلى تراجعها أيضاً"..