أزمة اتفاق الحل: غريفيث ولوليسغارد والطريق المسدود

السياسية - Tuesday 02 April 2019 الساعة 09:54 pm
عدن، نيوزيمن، كتب/ أمين الوائلي:

لم يتغير شيء منذ شهر عندما لاحظنا أن اتفاق الحديدة يدخل مرحلة جديدة من التجميد المرضي عنه أممياً، بينما تكرّس الثنائي، غريفيث ولوليسغارد، كوجه آخر لأزمة مركبة باتت تتمثل اتفاقاً للحل أمسى أزمة بحد ذاته.

وصل التصعيد العسكري مستويات خطرة للغاية تجاوزت صفة الخروقات، وأوشكت على تفجير الأوضاع العسكرية بصورة شاملة في الحديدة. الآليات الأممية فاشلة وعاجزة تماماً في التصرف حيال مسلسل الرفض والتعنت والتعطيل الحوثي والتصعيد العسكري داخل المدينة خصوصاً.

عبثية الترحيلات الزمنية والإجراءات المجمّدة والاتفاقات المعطلة في اتفاق الحديدة، تعود إلى التعنت والرفض الحوثي المتكرس منذ البداية بوضوح لا يُحتاج معه إلى تعمل الذكاء لاستجلاء حقيقة ما يحدث.

لكنها، أيضاً، وبصفة لازمة، باتت الآن محكومة بـ"لا حيادية" الضابط الدنماركي مايكل لوليسغارد، والذي ينخرط بصورة متزايدة؛ في التموضع طرفاً لا وسطاً.

* تقرير أولي

يبدي، أو أبدى بالأحرى، كبير المراقبين ورئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار الأممية لا مبالاة غريبة إزاء نزيف الوقت الذي يمر من دون تبلور أية خطوات تنفيذية وإجرائية بصدد التمكين لمجدولة الإجراءات المزمَّنة.

وفي واقع الحال فإن هذا يبدو؛ أكثر من مريح للمليشيات، ومناسباً جداً لخطتها القائمة على: استنزاف الزمن في الشَّكليات، بينما تستثمر الوقت المتاح والممدَّد في مراكمة مظاهر القوة عدداً وعتاداً وتجهيزات تعد لحرب حينما يجب التخفيف من عوامل التوتر ونزع فتيل الحرب ومكاثرة مظاهر السلام.

وفي الأثناء تستحدث المليشيات المزيد من الحفريات والتحصينات والخنادق والأنفاق، وتستقدم المزيد من المقاتلين، وتنشر المزيد من الحاويات الكبيرة (الكونتيرات) المعبأة بالتراب في عشرات النقاط والمواقع الجديدة عبر شوارع وأحياء المدينة.

وعلاوة على ذلك لا تتوقف المليشيات الحوثية عن ارتكاب؛ المزيد من الخروقات الخطيرة لوقف إطلاق النار، والانتهاكات اليومية للهدنة (الشكلية)، عبر خطوط المواجهة المتقدمة في مربعات المدينة وفي الضواحي والأطراف الجنوبية وفي المديريات إلى الجنوب من الحديدة، تحت بصر وسمع لجنة التنسيق وكبير المراقبين.

ولم يحدث، ولا مرة واحدة، أن دان لوليسغارد أو استنكر أو حذر من خطورة الانتهاكات والخروقات التي تتهدّد اتفاق السلام الهش وتهدد بتفجير الأوضاع والعودة إلى مربع العنف واندلاع النيران بلا توقف كخيار أخير وتدفع نحوه بكل السبل.

* وسيط الحوثيين

لكن، أيضاً، ليس هذا كل شيء؛ فإضافة إلى ما سبق، تأخذ خطوات لوليسغارد (القليلة) مساحات زمنية أطول مما يجب وببطء شديد. بينما تأخر وأخر كثيراً مباشرة بنود إجراءات بناء الثقة من حيث توقف كاميرت.

[تنبغى الإشارة، أن لوليسغارد، بخلاف كاميرت، الذي كان عملياً وجاداً ومهنياً جداً، مرضي عنه تماماً من قبل المتمردين ومليشيات الحوثيين في الحديدة وحتى قياداتهم في صنعاء.]

في كل مرة يتنصل الحوثيون أو يتراجعون عن بند متفق وخطوة مقرة ويشترطون غيرها، لدى لوليسغارد الاستعداد والجاهزية تماماً؛ إلى تبني المواقف المتقلبة، وحمل الشروط الجديدة إلى الفريق الحكومي ومفاوضته عليها وحولها نيابة عن المليشيات. هو وسيط للحوثيين أفضل منه حالاً كوسيط بين طرفين.

حدث هذا أكثر من مرة وفي حالات مشهودة توثقها محاضر ووثائق اللقاءات واجتماعات التنسيق، المشتركة أو المنفردة.

* الدرس: الامتحان الأول

الانتكاسة الكبيرة والأخيرة لاتفاق (المرحلة الأولى) من اتفاق الحديدة، وعند الخطوة الأولى (أ) من اتفاق المرحلة الأولى، أظهرت بوضوح إمكانات وقدرات الضابط الدنماركي و"أسلوبه". وهو بالمناسبة أول امتحان ومحك عملي يختبر الرجل.

في حين ذهبت البيانات والمواقف الغربية والأممية تحتفل، بمناسبة غير مفهومة، وترحب بـ (التقدم الكبير والمهم) -هكذا ومجدداً- الذي تحقق بجهود لوليسغارد، واتفاق المرحلة الأولى- ثم اتفاق الخطوة الأولى من المرحلة الأولى، ما الذي حدث؟

اكتفى رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار، أمام تفويت موعد بدء الانسحاب من مينائي الصليف ورأس عيسى وانقلاب الحوثيين على الاتفاق، بأن تصرف بصورة طبيعية وباردة؛ فقط لم يفعل شيئاً.

وفي وقت لاحق تبلغ الفريق الحكومي رسالة من لوليسغارد؛ أنه يجد لزاماً عليه إبلاغهم بحاجته إلى مزيد من الوقت للتباحث. أو قال للانخراط أكثر في التفاوض.

ومرة أخرى، وكما تسرب عقب اجتماع يوم الثلاثاء في مجمع إخوان ثابت التجاري والصناعي داخل مدينة الحديدة، طلب الفريق الحكومي إجابات وتفسيرات حول فشل التنفيذ وتوقف اتفاق الخطوة (أ) من المرحلة (1)، لم يكن كبير المراقبين الدوليين جاهزاً لتقديم إجابات لا يملكها في الواقع. للمفاجأة المدهشة والمحبطة.

لكن فيما بعد اتضح أن لوليسغارد، وبدلاً من مواجهة المليشيات الحوثية بحتمية التنفيذ أو إعلانها معرقلة ومعطلة، كان بصدد الانخراط في تفاوض مع الطرف الآخر لإقناعهم ببنود جديدة ومضامين مختلفة وضعتها المليشيات ويرى أنها لا بأس بها وتؤدي الغرض ومن الواجب المضي قُدماً على هذا الأساس (!!). لكن ما الذي يعنيه ذلك؟

سيعني هذا كل شيء؛ العودة الدورانية إلى نقطة البداية وجوهر الخلاف الذي فجّرته مسرحية صبيحة يوم الميناء.

يفترض لوليسغارد، أن المرونة تقتضي مجاوبة الحوثيين إلى نوايا وشروط مستجدة؛ الانسحاب من طرف واحد، ومن دون رقابة أو تحقق، وإسناد مسئوليات نزع الألغام من مينائي الصليف ورأس عيسى للحوثيين أنفسهم ومن دون تدخل لجنة المراقبين أو ممثلي الفريق الحكومي، وتفويض الحوثيين –ثالثاً- استلام وملء الفراغ الذي سيخلفه انسحابهم من الميناءين وجوارهما.

هذا هو كل شيء (..) مع ملاحظة بسيطة وإضافية؛ أن لوليسغارد يبدو مقتنعاً إلى أبعد حد بعملانية وموضوعية ونزاهة خطة كهذه.

* خلاصة أولى

والآن، يجب القول؛ إن لوليسغارد بعيد جداً عن أن يصلح وسيطاً ووسطاً بين طرفين. ويحمل قدراً هائلاً من المواقف المسبقة والقناعات الحاسمة ليمررها أو يمرر عبرها شروط وتفسير الحوثيين.

وفي النتيجة، لوليسغارد يتصرف من منطلق المُكلف بمهمة تقتضي؛ توطين الأمر الواقع في الحديدة، وإنهاء هذا الفصل من النزاع، بانسحاب وإعادة انتشار قوات الطرفين ومن ثم تسليم الطرف الحوثي المسئوليات –سلطة محلية وأمناً وإدارة موانئ- بموجب اتفاق السويد!!

هذه الخطة، بالمناسبة أيضاً، تلبي حاجة وأفكار مارتن غريفيث؛ إلى الإعلان عن تحقق الشرط الرئيس للذهاب إلى مفاوضات سلام على قاعدة الحل النهائي. أو ما دعاه غريفيث "اتفاق الإطار".

* خلاصة أخيرة

لم يفعل رئيس المراقبين ولجنة التنسيق الأممية إلا القليل جداً مما يتعلق بمهام عمله وجدول مسئولياته المزدحم بالأولويات وجميعها على صفة الخطورة والاستعجال.

الانحياز للمتمردين الحوثيين، وإجازة تصرفات ومواقف المليشيات، المناهضة والمتناقضة شكلاً ومضموناً مع روح ونص اتفاق ستوكهولم المتعلق بالحديدة، عبر التغاضي والمجاراة والمراضاة ومن ثم تبني رؤاها وتفسيراتها في كل مرة ومع كل خطوة إجرائية يتفق بشأنها ويُعاد التفاوض حولها بناءً على تقلب وانقلاب ممثلي الحوثيين، يلخص أقصى ما يستطيع لوليسغارد ونيابة عن غريفيث عمله أو العمل عليه في الحديدة.

للخروج من الحلقة المفرغة ينبغي التعامل أولاً مع مسألة "غريفيث / لوليسغارد" باعتبارها مشكلة يجب معالجتها قبل أي شيء آخر.

العسكري الدنماركي السابق، المسكون باليساريات، أفكاراً وقناعات ومُسَلَمات تعطي الجماعات والكيانات المسلحة والمتمردة وضعية الثوار وصفة الأقليات الصاعدة والواعدة، يمثل أزمة في مسار السلام المتأزم في الحديدة.