ماريا معلوف
سياسة بايدن تجاه إيران.. وسبب استهداف وكلائها دول المنطقة
وقف كثير من الصحفيين في البيت الأبيض مذهولين أمام قول الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مؤتمر صحفي بمناسبة مرور عام على توليه رئاسة الولايات المتحدة، إن إنهاء الحرب في اليمن يتطلب أن "يتوافق طرفاها" وأن طلب إعادة تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية قيد النظر".
حيث كان بعضهم يتوقع أن يعلن الرئيس في هذا المؤتمر إعادة تصنيف تلك المنظمة في قائمة الإرهاب.
ومهما يكن من أمر، فإن الرئيس بايدن أثبت في السنة الأولى لحكمه تخبطا مذهلا وغير مفهوم تجاه سياسات إيران وعملائها في الشرق الأوسط بالرغم من أن تلك الدولة لم توف بأية التزامات طلبت منها كالتي أشار إليها وزير الخارجية بلينكن في الأيام الأولى على تولي بايدن الحكم عندما أعلن عن تغيير شامل للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط يتضمن "مراجعة" للدعم العسكري لدول الخليج وأن استئناف الحوار مع إيران "سيستغرق بعض الوقت".
ونتذكر وقتها أنه قال "إن أوفت إيران مجددا بكل التزاماتها" في اتفاق 2015 "فإن الولايات المتحدة ستفعل الأمر نفسه".
وهنا يجب التوقف عند نقطة هامة وهي: هل كانت إدارة بايدن ترغب ترويض ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران من خلال السياسة والتنازلات؟
اليوم ثبت أن تنازلات بايدن المجانية ونهجه التنازلي وسياسة النوايا الحسنة تجاه الحوثيين أثبت فشله نتيجة إصرار الإيرانيين والميليشيا على التصعيد العسكري وتكثيف الهجوم على محافظات اليمن والاعتداءات المتكررة على الإمارات والسعودية لأكثر من أسبوع.
وخلال نقاشات مطولة مع بعض الساسة هنا في واشنطن خرجت بخلاصات معينة أستطيع القول إنها أخطاء وقعت فيها إدارة بايدن شجعت عملاء إيران على تجاوز كل الخطوط الحمراء ويمكن بيان تلك الأخطاء في النقاط التالية:
أولا: لقد سلك بايدن سياسة غير حازمة تجاه التهديد الذي تشكله ميليشيات الحوثي في اليمن، واعتقد أن سياسة المراضاة ستجدي في دفع الحوثيين إلى السلام والانخراط في عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة، لكن رفع الميليشيا من قائمة الإرهاب أعطاها الضوء الأخضر لمزيد من تصعيد العنف وشن الهجمات الإرهابية على المدن اليمنية والسعودية.
وكان الخطأ الاكبر هو إلغاء تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية أجنبية، واستئناف إرسال المعونات الأميركية دون توفر ضمانات بوصولها إلى المحتاجين والمتضررين من الحرب الانقلابية وسط استمرار تحويل الجزء الأكبر من المساعدات الإنسانية لصالح المجهود الحربي للميليشيات.
ثانيا: في قراءة متأنية لمواقف الصحف الأميركية سنلحظ أنه وعلى مدى الشهرين الماضيين شنت صحيفة وول ستريت جورنال، حملة على موقف بايدن من الحوثيين، حيث قالت في أحد تقاريرها إنه "في الأيام الأولى لتوليها السلطة، أزالت إدارة بايدن الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية وسحبت دعم الأسلحة عن التحالف الذي تقوده المملكة".
وتساءلت الصحيفة عن الكيفية التي ستفهم بها الجماعة معنى هذا الموقف؟
وفي رأيي أنه كان من الطبيعي أن يفهم الحوثيون وداعموهم الإيرانيون أن الولايات المتحدة تبتعد عن حلفائها وترفض اعتراض الإمدادات العسكرية الإيرانية، فصعدوا عملياتهم بينما اكتفت إدارة بايدن بالرد على ذلك بإصدار بيانات صحفية "صارمة" بشكل دائم!
ثالثا: لماذا التأخر في إعادة إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بعد أن كان بايدن قد أزالهم عنها ونحن نرى تنظيمهم يقصف عواصم الخليج ويقصف المستشفيات داخل اليمن عمداً، ويجنّد الأطفال وينشرهم في المعارك، وفي 30 ديسمبر 2020، حاول قتل جميع أعضاء الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وكذلك يرد السؤال عن سبب المماطلة الأميركية في التأخر في بذل المساعدة الدفاعية الثنائية للسعودية والإمارات والمسارعة في وضع آلية أمنية متعددة الأطراف في البحر الأحمر من أجل اعتراض شحنات الأسلحة غير المشروعة، ووضع حدّ لحركة الاتجار بالبشر ومنع مضايقة الشحن، بما في ذلك عن طريق زرع الألغام، عند الطرف الجنوبي من البحر الأحمر.
رابعا: الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الولايات المتحدة الأميركية تحت قيادة بايدن أنها اتخذت موقع "الوسيط" بين الدول العربية الحليفة لها، وأعداء الولايات المتحدة وعلى رأسهم إيران وداعميها الذين يعملون بشكل حثيث لضم اليمن ضمن نفوذهم وإخراج أميركا من المعادلة الجيوسياسية في المنطقة، ويقدمون دعماً سياسياً ومالياً وتقنياً وعسكرياً متطوراً للميليشيا.
بينما على الولايات المتحدة أن تتخذ نهجاً داعماً للجهود السياسية والعسكرية والأمنية التي تقودها السلطة الشرعية والتحالف لإنهاء الانقلاب المسلح ومواجهة التهديد الإيراني ومكافحة الإرهاب وحماية الملاحة الدولية.
أخيرا، فإنه من جميل الطالع أن يكون هذا الشهر قد حمل توافقا شبه كامل بين الساسة وأعضاء الكونغرس والصحافة الأميركية على رفضهم توقيع اتفاق نووي جديد، سيسمح لإيران على المدى الزمني القريب أو المتوسط بأن تتحول إلى قوة نووية، وهو الأمر الذي يعارضونه في معظمهم وإن تقدمهم السيناتور الجمهوري تيد كروز، عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي والذي قال إن "بايدن لا يستطيع تقديم ضمانات للنظام الإيراني، وإنهم (إدارة بايدن) يعملون بشكل محموم على صفقة جديدة كارثية من شأنها أن تترك برنامج إيران النووي سليماً، بينما تضخ المليارات في النظام".
إنها أصوات أميركية سيكون لها في الأسابيع المقبلة الصوت الحاسم لإعادة تصنيف الحوثيين على قائمة الإرهاب.
أصوات لا تنتهي عند السيناتور كروز والنائب الجمهوري دون بيكون، بل يدعمها وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو الذي يطلب كل ساعة إعادة تصنيفها، إدراكا منه ومن معظم الساسة الأميركيين أن إيران كانت وستبقى عدوا لأميركا وحلفائها.
*نقلا عن: موقع سكاي نيوز عربية