حسين حنشي
انفصال الشرعية عن الواقع.. بداية النهاية..!!
في الحرب العالمية الثانية بينما كانت صواريخ وطائرات ألمانيا تدك المدن البريطانية وعلى رأسها لندن وضع ونستون تشرشل مقر الحكومة تحت الأرض وألغى وزارات وأصبحت الحكومة مجرد وزارات بعدد أصابع اليد، وبدأ نضاله الإداري والسياسي والعسكري اجتماعات وإدارة ثم خروج إلى الشارع المدمر بعد القصف والظهور بين المواطنين، وفي مقر الحكومة كانت هناك قطة مع تشرشل وعندما وضعت الميزانية التشغيلية للحكومة وضع بند خاص بمصروفات تلك القطة كذلك، وكان النظام يسير بصرامة إدارية وصمود جماعي، حكومة وشعبا، ثم كانت بريطانيا على رأس المنتصرين وصانعي مرحلة ما بعد الحرب.
عندما تكون الأوطان في مرحلة صعبة تواجه تهديدا وجوديا تصبح وحدة الشعب والمجتمع والقيادة والعيش الواحد وفي مكان واحد وفي ظروف واحدة هي لبنة الانتصار وصخرة الصمود، وبالمقابل أي انفصال لهرم السلطة عن المجتمع وهو في مرحلة الحرب والظروف الصعبة هو فيروس التفكيك والانهزام مهما كانت إمكانيات ذلك المجتمع والبلد.
اليمن بلد في وضع حرب بكل الأبعاد، عسكرية اقتصادية، سياسية، إعلامية، فيها الحوثيون بكل هشاشة موقفهم المذهبي والدولي والقانوني إلا أنهم قوة وسلطة أمر واقع تسير إلى وضع اعتراف، والسبب قيادتهم في ذات وضع الشعب الذي تحت سيطرتهم في الكهوف والخنادق والمقرات، تحت الأرض وعلى رؤوسهم ملايين الدولارات وبين فترة وأخرى يظهر قادتهم في فيديوهات هنا وهناك مع المقاتلين أو المواطنين.. هذا عامل قوة مهما كان غير ملاحظ من الناس.
قيادة الشرعية في دار الأوبرا المصرية معها احتفال يذكر بمدينة فيينا المسالمة ولياليها الفنية وطبقتها المخملية، جامعة التحف ولوحات بيكاسو وفان جوخ ومستمعي أوبرا كسارة البندق وبحيرة البجع وسمفونيات موزارت وبيتهوفن ثم تدخين سيجار الهافان مع كأس واين معتق من مزارع كاليفورنيا ومناقشة موضة الملابس في بيوت الموضة الباريسية ومنتجات ايف سان لوران وخطوط ميلانو الحديثة وفرساتشي..
قيادة الشرعية تسمع النشيد الوطني اليمني وبعده تناقش أسعار الفلل الجديدة في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر ويجمع مجموعة منهم أن تكون فللهم بجانب بعض في كومباوند في مرسى علم ويناقشون بعد حفل الأوبرا إمكانية الذهاب مع بعض إلى شرم الشيخ وهل الفتيات الروسيات السائحات والأوكرانيات مرقطات الجلد يمكن إيجادهن بشرم الشيخ أم أن الفتيات سافرن للدفاع عن بلد كل منهن وسيكون الشاطئ خاليا إلا من رجال الشرعية الذين تركوا بلدهم دون دفاع عنها ولم يكونوا حتى مثل فتيات أوكرانيا.
انفصال كلي عن وضع البلد للطبقة الحاكمة الفاسدة والمتعفنة والمنتفخة بأموال المنصب والموافقة على كل ما يملى والتوقيع مقابل امتيازات المال والفنادق والشاطئ والأوبرا وكأس الواين المعتق وصافيناز ورقصني على حبة ونصف.
قيادتنا نحن في الجنوب ليست بمثل هذا الانفصال إلا أنها ليست بوضع مرتبط بظروف الجنوب كليا، فهناك مسافة تكبر بينها وبين المجتمع الذي يعاني وأخاف أن تتسع الهوة ويشعر الشعب أنها فعلا أصبحت بعيدة ولا علاقة لها به، ولهذا دائما نقرع جرس الإنذار، فالانفصال بين القيادة والمجتمع في لحظة حرب، انفصال عن الصمود العسكري والأمني، والأهم انفصال عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، مدمر لأي قضية وأي وحدة وجود لأي أمة.
من الجميل نشر الفن والثقافة ولكن الأمر محكوم باللحظة والظرف، فأنت إن كان همك حفلا أوبراليا فخما على ضفاف النيل وأنت في لحظة حرب على ضفاف كل وديانك وبحارك فلن تصنع إلا تدميرا كليا للقضية التي تقاتل عنها وتدميرا كليا لمعنى أمة تقاتل ونهاية لوجودك وفنك وثقافتك، ولن يبقى من الفن في دار الأوبرا المصرية إلا منتجات متحفية، بينما ستحل ثقافة الدورات الثقافية الحوثية بدلا عنه في مستقبل اليمن ببساطة، لأن الثقافة الحوثية على الأرض اليمنية وفي قلب مدنها تخرج عشرات الآلاف من جيل المستقبل، بينما أنت بعيد هناك على ضفاف النيل تصنع تجمعا للهاربين الطاعنين في السن والفساد وغير الموجودين بعد عشرين عاما بالكثير.