حسام ردمان

حسام ردمان

تابعنى على

معاوية الإمبراطور وليس الصحابي.. تعليق متأخر على جدل مستمر

Monday 27 February 2023 الساعة 03:00 pm

عندما أكمل الإمام أحمد بن حنبل تأليف كتابه "فضائل الصحابة"، وجد طلابه أن ثلثي الكتاب قد جاء في مدح الإمام "علي" والثلث الأخير خُصص لبقية الصحابة.

ومثله فعل الإمام النسائي، إلا أن منتقديه طالبوه بتحقيق الحد الأدنى من التوازن، ونصحوه بذكر الأحاديث التي تتناول محاسن معاوية... فكّر الإمام النسائي للحظات، ثم قال: لا أتذكر له سوى قول الرسول "لا أشبع الله بطنه".

تفاصيل هذا الدعاء الغريب ذكرها مسلم في صحيحه نقلًا عن ابن عباس: "كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب، فجاء فحطأني حطأة، وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه".

ولطالما استشهد الشيعة بهذا الحديث؛ كي يحطوا من قدر معاوية.

 أما أهل السنة فقد حاولوا تأويله على وجه حسن، وفي ذلك قال الإمام النووي: "قد فهم مسلم -رحمه الله- من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقًا للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله من مناقب معاوية؛ لأنه في الحقيقة يصير دعاءً له".

وفي حقيقة الأمر، لا يختلف تقدير السنة والشيعة، من المنظور الديني الصرف؛ على أن عليًّا كان هو صاحب الحق والفضل والسبق.

لكن السنة يعالجون موضوع الإمامة من منظور واقعي. 

وكما يقول الإمام الجويني (القرن الخامس الهجري)، فإن هدف الدولة "هو الكفاية في الداخل والشوكة في الخارج". 

وبمفاهيم الحاضر، يقصد إمام الحرمين تحقيق العدالة والتنمية وحفظ السيادة.

لذا فإن أئمة أهل السنة -ومثلهم المفكرين المعاصرين كالعروي والجابري- لم يستطيعوا إنكار مهارات معاوية في الحكم وفضله في نصرة الإسلام (إلّم يكن دينًا، فعلى الأقل دولة وحضارة).

وإلا ما الذي يدفع النبي، وهو سيد قريش وصاحب الوحي، إلى أن يلح في طلب معاوية -رغم صغر سنه ومحاولات تهربه- كي يقضي بعض المهام السياسية؟ 

ولماذا يفضله الرسول حتى على آل بيته (خصوصًا عبدالله ابن عباس، راوي الحديث، وعلي بن أبي طالب)؟! 

ببساطة، إنها الكفاءة السياسية التي تمتع بها أفراد الحزب الأموي في قريش، والتي جعلت الرسول يستعين بهم -مضطرًا- لتدبير شؤون إمارته، رغم ميله إلى نقل السلطة لابن عمه الأقرب علي.

لقد كانت ثقافة معاوية وموهبته السياسية تدفعه لأن يكون المرشح الأول لكتابة وثائق النبي السياسية والدينية، ولكم كلّفه الرسول بمرافقة زعماء القبائل العربية والتعامل مع وفودهم السياسية.

في المحصلة، يسهل حسم الجدال الدائر حول معاوية إن تمت مقاربته من منظور المدونة الحديثية السنية والمثيولوجيا الشيعية؛ لأن الأخير يخسر. 

أما من المنظور التاريخي، فيمكن القول، إن الإسلام (دينًا ودولة وحضارة) قد بُني على ثلاثة:

محمد (صاحب الدعوة)

عمر (مؤسس الدولة)

معاوية (مشيد الإمبراطورية).

ومن جاء بينهم، كان بمثابة مرحلة انتقالية: أبو بكر (حروب الردة) عثمان (أزمة الحكم ثم الانتفاضة) وعلي (الفتنة والحرب الأهلية).

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك