لا أكاد أستحضر اسمها حتى تجتاحني تلابيب مفارقة لعينة، تعيش فيها مدينتي متناقضة مع هويتها وجذورها، منذ قرابة عشر سنوات من حرب بلا أفق، تعم البلاد.
أستحضر اسم هذه المدينة البلاد، عاصمة الثقافة، مدينة أيوب والنعمان وهاشم علي، لتحاصرني صورة الحاضر، صورة مكثفة لبشاعة مشهد معيش، لكأنها اليمن كل اليمن، يمن ما بعد 2011.
جماعات دينية تنهش المدينة من أطرافها حتى القلب، حوثيين وقاعدة، سلفيين وإخوان، في سباق من سيستغفل أكثر عدد من الناس، من سيفوز بلقب "ملك الظلام" بعد إخراج لسانه شامتا منتصرا بتلطيخ الصورة الجميلة لتعز، المخلوقة السحرية، القلب الذهبي، حسب أسطورة، لا أتذكر ولا أريد، إن كانت إغريقية أم لا.
الكثير من الغضب يسكنني، في المدينة يقتل مسؤول أممي تابع لبرنامج الغذاء العالمي، بعد حادثة مشابهة شهدتها المحافظة قبل عامين، في صورة تُظهر المحافظة العظيمة، ثكنة عسكرية، وكرا للإرهاب ومرتعا للتطرف الديني، مع غياب تام للدولة وأجهزتها.
مثل هذه الأعمال الإجرامية لا تأتي كمفاجآت، تسبقها الكثير من المقدمات، خطب ومنشورات تحريضية ضد شخصيات مدنية، ضد العمل الإنساني والإغاثي ككل.
مجموعات قبلية مسلحة حولت المحافظة إلى كانتوتات، تحكمها بأبجديات طالبان وداعش، تنفذ توجيهات قادتها، محاضراتهم ومنشوراتهم.
من هذه المقدمات أيضا التي أنتجت ضيق المدينة بأي نبض للحياة فيها، طرد الفنانين والاعتداء عليهم، اغتيالات لقادة عسكريين لا يؤمنون بالولاء لأمراء الحرب التقليديين، الهجوم وإلغاء كل ما من شأنه عكس صورة جيدة للحياة في المدينة، التحريض ضد المظاهر المدنية ولو على مستوى صورة في كافيه ما لمجموعة شباب.
غرقت المحافظة في الظلام، سوس تنخرها من كل الجهات، حطابون يولمون للمزيد من الموت وفي العلن، ومن يجرؤ على قول لا؟
من يجرؤ ولو على تذكر السر القديم الذي حرس المدينة، القلب الذهبي لبلاد معجونة بالظلام، من يمنع الأشرار من لمسه؟!
الآن أضحت الصورة قاتمة كما لم تكن من قبل، وبمكاشفة ومواجهة حقيقية للواقع وللسلطة المحلية بكافة قياداتها.. ثمة تعز أخرى، مدينة أخرى، شوهها أمراء الحرب، عصابات باسم "الله"، الكثر لصوص قتلة لو سمحوا للمدينة أن تنطق لصرخت في وجوهنا جميعا، صرخة فولتير: اسحقوا هذا العار.